عناوین:

فدرلة العراق: ورقة انتخابية أم تهديد لوحدته؟

PM:02:20:29/03/2025
436 مشاهدة
مزهر جبر الساعدي
+ -

ارتفعت الأصوات في الفترة الأخيرة؛ في التحدث عن فدرلة العراق، وعلى وجه التحديد والحصر؛ في الوسط والجنوب، وفي الغرب والشمال. إلا أنها جوبهت بردود شعبية مستهجنة ورافضة.

هذه الدعوات لم تكن ابنة اليوم، بل تم طرحها من قبل البعض من القوى السياسية في عام 2005، إلا أنها لم تلق أية استجابة، سواء من الجهات الرسمية على الصعيد العراقي، أو على الصعيد الشعبي والإقليمي والدولي.

أما طرحها الآن وفي هذه الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية، فهي من وجهة نظري، للتحشيد الانتخابي ليس إلا. لكنها وفي الوقت نفسه تشكل خلفية أو مرجعية؛ تهدد مستقبلا وحدة العراق ووجوده، كدولة لها تاريخ حضارة تمتد لأكثر من 8 آلاف عام، كما أن العراق دولة محورية ومهمة في المنطقة العربية وما جاورها، ولها أهمية استراتيجية في الوطن العربي.

هذه الدعوات حتى إن  لا سمح الله  ستأخذ طريقا لها في التنفيذ، أي أن يتم طرحها للاستفتاء، فسيكون مصيرها الفشل بالتأكيد، بل الفشل الذريع، لأن كل العراقيين بمختلف توجهاتهم، يرفضون تقسيم بلدهم إلى كانتونات، لا حول لها ولا قوة، ولا قدرة، في محيط عربي وإقليمي تسود فيه الفوضى والاضطراب، ومخططات إقليمية وعربية دولية تبحث لها؛ عن وجود ونفوذ في المناطق الرخوة.

إن السبب أو ما يدفع البعض من القوى السياسية والأحزاب، سواء في وسط وجنوب العراق، أو في غربه وشماله؛ بالتهديد بالتقسيم، سواء، كان تهديدا جديا أو لأغراض أخرى؛ هو الدستور، الذي منح سلطة المحافظات، إن هي أرادت تشكيل الأقاليم، لمحافظة أو محافظتين أو ثلاث محافظات، أو أكثر، وعليه، فإن مشكلة تشكيل الأقاليم ستظل قائمة إلى أن تتم إعادة كتابة الدستور، بشكل يضمن إلى الأبد وحدة العراق أرضا وشعبا. من المعروف أن إقامة الفيدرالية، أو العمل عليها، تتم في حالة توفر عدة دول أو كيانات تربطها المصالح المشتركة، والتاريخ المشترك، واللغة والقيم المشتركة؛ تتحد كلها في دولة فيدرالية، وفي أغلبها كانت فيدرالية وليست كونفدرالية، كما هو حاصل في إقليم كوردستان الذي هو بعيد كل البعد حتى عن صيغ الكونفدرالية، بل هو دولة مستقلة، أو شبه مستقلة، في دولة تسمى اتحادية ديمقراطية واحدة.

كل الدول المفدرلة؛ تذوب فيها الأقاليم في الحكومة المركزية، أي تكون الوزارات السيادية والثروات الاستراتيجية والمؤسسات الصناعية الاستراتيجية بيد الحكومة المركزية، الاستثناء الوحيد في حدود علمي ومعلوماتي هي تشيكوسلوفاكيا السابقة، التي كانت تضم أقاليم غير متجانسة أبدا؛ لا في اللغة، ولا في الدين أو في التاريخ؛ لذا، ففي أول مخاض أو في أول هزة؛ عادت إلى ما كانت عليه دولا مستقلة.

على القوى والأحزاب السياسية العراقية، ان تعمل، بدل التهديد بإقامة أو بتشكيل الأقاليم، في كل سنة أو في كل مناسبة، يراد منها التحشيد الإعلامي للأغراض الانتخابية، العمل على تعديل الدستور أولا، وثانيا، العمل على زيادة وتوسعة التحسن الأمني والاستقرار والإصلاح، وإعادة أو إحياء الصناعة والزراعة، اللتين ما زالتا حتى الآن في حدهما الأدنى، مع مواصلة؛ مد جسور التفاهم مع المحيطين العربي والإقليمي والدولي، ومتابعة عملية، طمر خنادق الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتجسير الهوة محليا وعربيا وإقليميا ودوليا؛ التي بدأت، قبل سنوات وهي مستمرة حتى الآن وفي تقدم ملحوظ؛ يجعلنا نفرح به ونطمئن للمقبل من الزمن.

إن موضوعة إقامة الأقاليم في العراق، يثير الشكوك والريبة لجهة مولداته وبواعثه، ومن يقف وراءه، العراق، عراق واحد، في كل تاريخه.

فهو عراق التاريخ والحضارة، المتجذر عميقا في لحظة تاريخية حين بدأ بها تاريخ البشرية، فقد كان واحدا من مواقع انطلاقها، وهو الدولة التي علمت البشرية؛ كيفية صياغة القوانين التي تنظم العلاقة بين الناس، وبينهم وبين الدولة، كما في مسلة حمورابي، المعلقة الآن على مدخل بناية الأمم المتحدة.

نفترض هنا افتراضا؛ أن الدعوة أو التهديد بها تحولت في لحظة فارقة، أو في لحظة تاريخية ضدية، خارج التاريخ في آن واحد؛ كيف يكون شكل الإقليم؟ هل سيكون كما هو معمول به في كل الدول الاتحادية؟ أم كما كانت عليه الفيدرالية في تشيكوسلوفاكيا سابقا؟ أم ماذا؟ إن تشكيل إقليم في الوسط والجنوب، وآخر في الغرب والشمال، عندما يتم تشكيلهما، هل هما سيشابهان وضع إقليم كوردستان؟ أم أن اقليم كوردستان ستعاد صياغة وضعه (القانوني)، وهذا أمر مستحيل؛ لوجود فقرة في الدستور تدعم إقليم كوردستان بوجوده الحالي، لأن الاقليم حين يعترض على تغير وضعه، يتم تلقائيا إبطال الدعوة.

ثانيا، إن من يعمل على إقامة إقليم، سواء في الوسط والجنوب، أو في الغرب والشمال؛ لا يمكن ان يقبل أن يكون الإقليم كما هو معمول به في كل الدول الفيدرالية؛ للنوايا والغايات والأهداف التي دفعته بالسعي الى إقامة الإقليم، وإلا يفرغ من محتواه الغائي.

ثالثا، كيف يمكن حل الحدود بين المحافظات، علما بأن الكثير من المحافظات قد تم في عام 1970 تغيير حدودها. كربلاء سوف تطالب بالنخيب. بغداد العاصمة سوف تطالب بسامراء وبيجي داخل حدودها، بالإضافة الى محافظات اخرى.

رابعا، كل محافظات الوطن مختلطة ديموغرافيا اختلاطا لا يمكن تفكيك خيوطه المتشابكة.. قول لا بد من قوله؛ إن هذه الأقاليم في حالة إقامتها وهذا أمر مستحيلا كما بينت سابقا؛ ستكون فريسة سهلة جدا؛ لأطماع الجوار، سواء كان عربيا أم إقليميا أم حتى دوليا. لأن العراق عندها سوف يكون ضعيفا جغرافيا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ويفقد وحدة القرار المستقل والسيادة الكاملة، بسيادة مجروحة تنزف دما، كما أن كل أقليم سوف يكون ضعيفا جدا.

في الخاتمة أقول، إن كل هذه التهديدات بإقامة الأقاليم لن يكون لها وجود على ارض الواقع؛ لأنها تتقاطع تقاطعا كليا مع ما يسعى ويريده كل العراقيين من دون استثناء. ندعو الله، من اعماق قلوبنا؛ ان يجعل مسؤولي الأحزاب والقوى السياسية؛ أن يصحوا وأن يثوبوا لرشدهم..
ويحفظوا للعراق الواحد وحدته، بدل ما ينتظره من فوضى واضطراب وعدم الاستقرار، ان هم تابعوا سعيهم هذا.. ولو بالتهديد فقط.

البوم الصور