في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة في العراق، تواجه محاولات رئيس التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، لإجراء إصلاحات جذرية تحديات ضخمة، ومع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية وظهور قوى متنفذة تعرقل أي مساع للتغيير، يظل مستقبل الإصلاحات الصدرية غامضا.
تحركات الصدر التي كانت تهدف إلى معالجة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية تواجه الآن صعوبات كبيرة، حيث تتصاعد محاولات القوى السياسية الكبرى لتعطيل هذه الإصلاحات خوفا من تهديد مصالحها.
الباحث في الشأن السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي، مجاشع التميمي، علق، على إمكانية عدم مشاركة الصدر في العمل السياسي خلال المرحلة المقبلة بسبب الضغوط الكبيرة على العراق نتيجة الضغوط الأمريكية والإيرانية وملف الفصائل المسلحة.
وقال التميمي: "الأغلب يتفق على أن الصدر يتمتع بذكاء سياسي يجعله يقيم بعناية توقيت وأسلوب مشاركته في العملية السياسية، خاصة في ظل الظروف الحالية المعقدة، فقد كان الصدر يعلم أن المنطقة ذاهبة نحو التصعيد، وحاول استباق الأوضاع وإجراء الإصلاحات، لكن قوى داخلية وإقليمية حالت دون ذلك".
وأضاف، أن "الضغوط المتزايدة على حكومة محمد شياع السوداني بسبب وجود الفصائل المسلحة، والضغط الأمريكي الناتج عن الصراع مع إيران، إضافة إلى هشاشة الأوضاع على المستوى الوطني، قد تدفع الصدر إلى الابتعاد المؤقت عن المشهد السياسي، وهذا يمنحه فرصة للحفاظ على شعبيته وتجنب التورط في تداعيات هذه الضغوط التي لم يكن طرفا في حدوثها".
وأوضح التميمي: "الصدر كان قد حذر مسبقا من انتشار السلاح خارج إطار القانون، ومن استشراء الفساد وسوء الإدارة، والتدخل الخارجي، وغياب العدالة والشفافية".
وتابع قائلا: "كل ما أثير عن احتمالية مشاركة الصدر في الانتخابات والدخول في الحكومة المقبلة يبقى في إطار التوقعات، لأن الصدر لم يعلن حتى الآن عن مشاركته أو عودته. ولو أراد العودة، لفعل ذلك عبر إعلان رسمي، الصدر يدرك تعقيد الأوضاع وخطورة المشهد في المرحلة القادمة، ولذلك لا يريد تحمل نتائج سنوات من سوء الإدارة والفساد بمفرده".
وأكد التميمي أن "المرحلة المقبلة تتطلب قرارات إصلاحية تتعارض مع المصالح الحزبية والسياسية للقوى المتنفذة، كما أنها لن تلقى ترحيبا من القوى الإقليمية الفاعلة في العراق، لا توجد ضمانات حقيقية لوقوف القوى السياسية إلى جانب مشروع الصدر الإصلاحي".
وأضاف: "التأثير الأمريكي سيكون أكثر فاعلية خلال الفترة المقبلة، لأسباب تتعلق برؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الصراع مع إيران، وهي رؤية تتعارض مع توجهات الصدر".
وختم التميمي بالقول: "إصلاح الأوضاع في العراق ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى إرادة داخلية للبدء به، ومع ذلك، فإن أغلب القوى السياسية غير راغبة في الإصلاح، ولذلك ربما توصل الصدر إلى قناعة بأن المشاركة في الحكومة المقبلة لن تمنحه الفرصة الحقيقية لتحقيق برنامجه السياسي للعراق. لهذا، لا أستغرب استمراره في العزلة عن العمل السياسي".
يمر العراق حاليا بمرحلة حساسة تتشابك فيها الأوضاع الداخلية مع المتغيرات الإقليمية، خاصة بعد تصاعد التوترات في سوريا ولبنان، واستمرار الضغوط الأمريكية على الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران.
هذا الواقع يفرض تحديات كبرى على البيت السياسي الشيعي، الذي يواجه خطر الانقسام في ظل تصاعد الاستهدافات والتدخلات الخارجية. ومع هذا الاصطفاف، يبرز الصدر كونه شخصية محورية قادرة على بناء تفاهمات مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الكورد والسنة، في محاولة يراها مراقبون خطوة لإيجاد حلول تمنع انزلاق العراق نحو الفوضى، وتعيد رسم ملامح المشهد السياسي وفق أسس أكثر استقرارا واستقلالية.
LF