بسبب سوء الأحوال في أفغانستان أصبحت أمامهم معادلة واضحة، إما العيش
بكلية واحدة، أو الموت من الجوع، والحل لا يحتاج للكثير من التفكير.
لذلك ترى لدى العديد في أفغانستان تلك الندبة المعروفة على جانبهم،
والتي تدل على أنهم بالفعل ذهبوا مع الخيار الأول وقاموا ببيع إحدى كليتيهم.
قامت صحيفة إكسبريسن السويدية بتتبع هذه الظاهرة في أفغانستان، ولم
يقابلوا الأشخاص الذين باعوا كلاهم فحسب، بل قابلوا ايضاً المشترين في تلك السوق
السوداء التي
لا تعرف الرحمة.
أحد "مناجم" الكلى: مخيم ساشانبه
يقع مخيم ساشانبه في اقليم هرات، وهو مكان تملؤه البيوت الطينية،
ويخيم عليه الفقر، مما جعله منجما لبيع الكلى، في هذا المخيم فقط هناك أكثر من مئة
شخص لديهم تلك الندبات على جانبه والتي تمتد من معدتهم إلى الظهر، من ضمن 120
عائلة هم كامل تعداد المخيم.
يقول الرواة في هذا المخيم أن أول من باع كليته كان شخصاً يدعى أحمد
محمدي، رجل نحيف كان يرتدي عمامة خضراء حينما قابلته الصحيفة، قام ببيع كليته في
السوق السوداء، ويبدو أن ذلك أغرى غيره بسلوك نفس الطريق فقام كبار عائلته ببيع
كلاهم، ثم آخرون في المخيم، أما أقاربه الذين رفضوا بيع كلاهم فقد ماتوا من الجوع
واحداً تلو الآخر.
باع أحمد كليته قبل حوالي خمس سنوات حينما كان يواجه هو وأسرته الموت
من الجوع، أطفاله كانوا ينامون على الأرض ببطون فارغة، قام باقتراض بعض المال
ليشتري الدقيق والزيت والأرز، وكثرت ديونه، ثم أتى أصحاب الدين إلى منزله وقالوا
إنهم سيأخذون أحد أبنائه إن لم يسدد ما عليه.
كان يستميت في البحث عن حل، أخذ يبحث في مكبات القمامة عن أي شيء يصلح
للبيع ليأخذه ويبيعه مرة أخرى، وفي أحد الأيام كان بجانب مستشفى لقمان الحكيم في
إقليم هرات، وهو أول مستشفى متخصص في زراعة الكلى في افغانستان، حينها رأى
ورقة معلقة كإعلان.
لم يكن أحمد يجيد القراءة، لذلك سأل أحد المارة عن محتوى الإعلان، قال
له ذلك الشخص أن هذا إعلان من شخص يحتاج إلى كلية، وأنه مستعد لدفع مال مقابل ذلك.
اسم الشخص صاحب الإعلان كان (غول لالا)، تواصل معه أحمد، وقال له أنه
مثقل بالديون ويريد أن يبيع كليته.
وبالفعل تم الاتفاق، دخل أحمد لغرفة العمليات ليتم أخذ كليته، وخرج
ومعه ما يقارب من 2700 دولار، حينما وصل للمخيم استقبله أصحاب الدين، ليسدد ما
عليه ويبقى معه حوالي 170 دولارا.
أحمد يبلغ من العمر الآن 42 عاما، يقول إنه كان شابا قويا وطموحا،
ولكن الحروب والصراعات كانت
تموج من حوله، وفي إحدى المرات تم أسره من قبل طالبان وقيدوه هو وشخص آخر إلى
شجرة، وقاموا بضربه بالكوابل حتى كُسر أحد كتفيه، وكان على وشك الهلاك، ثم أطلق
سراحه، ومع اشتداد أزمة الصراعات في المنطقة هرب هو وأسرته إلى هذا المخيم في هرات.
بعد أن باع كليته كان عليه أن يذهب كل شهر للمراجعة في المستشفى،
ولكنه لا يملك مالاً لذلك لم يذهب، وحينما ينام تقوم زوجته بوضع وسادات حوله حتى
لا يتحرك وهو نائم، يقول إنه يشعر بالكثير من الألم، وإنه نادم على ما فعله.
حالياً عاد أحمد لنفس حالة الفقر التي كان فيها، ويقول إن الحل الوحيد
المتبقي أمامه أن يبيع أحد أبنائه، وهو نفس الابن الذي كان يهددونه بأخذه أصحاب
الدين.
زوجته أيضا باعت كليتها
زوجة أحمد "بيبي غول" باعت أيضا كليتها منذ حوالي سنتين،
وكانت حاملا حينها، وحينما ولدت شعرت بالكثير من الألم، تقول إنها لا تزال صحتها
ضعيفة حتى الآن، ولا تستطيع حمل شيء ولا حتى الماء، تقول إنها أيضا لم تذهب إلى
المستشفى لأنهم لا يملكون المال لذلك.
تقوم بيبي غول بغسل البطانيات والسجاد مقابل المال، وتحصل يوميا على
دولار أو دولارين، ويملؤها الخوف من المستقبل، حيث لا يكفي هذا المبلغ إطعام
الأسرة، وشبح بيع الابن يخيم على العائلة.
المشتري هذه المرة كانت امرأة ومعها ابنها البالغ من العمر 15 عاماً،
قدموا من كابول، ويبحثان عن كلية للابن، استلمت بيبي غول سعراً مقارباً للسعر الذي
باع به زوجها كليته، ولكن ذهب المبلغ أيضاً في الديون والطعام.
حتى الفتاة ذات العشرين ربيعا.. باعت كليتها
أصغر من باع كليته في عائلة أحمد فتاة اسمها (بيري غول)، وهي لا تعرف
عمرها بالضبط، تقول: أعتقد أن عمري عشرين عاماً.
تقول إنها تأكدت تماماً أن حياتها ستكون بائسة، فقد تزوجت حينما كان
عمرها 15 عاماً، ثم أصيب زوجها بجروح في ساقيه وعدة أماكن في جسده بسبب هجوم
صاروخي، لذلك أصبحت هي المسؤولة عن رعايته في هذه السن المبكرة.
لم يكن لدى بيري أي شخص تلجأ إليه، لذلك اتجهت واليأس يملؤها إلى
مستشفى آريا الأفغاني وهو ثاني مستشفى في هرات متخصص في عمليات زرع الكلى.
ووجدت مشتريا من كابول، السعر الذي باعت به كليتها كان أعلى حيث وصل
لحوالي 4400 دولار، حيث أن أعضاء الشباب تباع بأسعار أغلى.
أخذت تصرف من هذا المبلغ على رعاية زوجها الذي مات بعد مدة، ولم يكن
لديهم أطفال. وهي الآن تعتبر أرملة، بكلية واحدة، ولا تزال في أول شبابها.
موت ابني كان أفضل من بيع كليتي
في المخيم فتى معاق يسمونه (المجنون)، يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً
واسمه محمد شاه، وهو ابن شقيق أحمد، إعاقته تمنعه من الوقوف والمشي، ويعاني من شلل
دماغي، ولا تعرف والدته ذات الخمسة وثلاثين عاماً ماذا تفعل به، وأحياناً تقوم
بربطه حتى لا يؤذي نفسه.
لم تعرف هي وزوجها كيف سيدفعان تكاليف رعايته، لذلك قاما ببيع
كليتيهما.
تقول إن ابنهما الآن أصبح يذهب للمستشفى لتلقي الرعاية، لكنها وبعد أن
مرت بهذه التجربة تقول إن الأمر لم يكن يستحق ذلك، فقد أصبحت ضعيفة جداً، ولم تعد
قادرة على العمل كما كانت، ولا تزال أمورهم المادية صعبة.
وتضيف: "يؤسفني أنني بعت كليتي، أتمنى أن يكون ابني قد مات بدلا
من ذلك."
اختطفوا أخاه.. وكان لا بد أن يدفع فدية
ويوافقها على هذا الكلام أخوها الأصغر (غلام) ذو الثلاثين عاماً، فهو
يرى ابنها معاقا، لا مستقبل له.
غلام يعيش في بيت يبدو أجمل من غيره، به أثاث وسجاد، ويهتم بأناقته وملابسه،
وتصفيف شعره، ويرتدي خاتما جميلا.
غلام يقول إن ما حصل مع أخته لا يقارن بما حدث لأخيهما الأصغر
عبدالغني الذي يبلغ من العمر 22 عاما، حيث كان غلام يريد مستقبلا أفضل لأخيه
عبدالغني، فأرسله مع مهربي البشر إلى إيران حتى يذهب من هناك إلى إسطنبول
ليعيش حياة أفضل.
ولكن المهربين اختطفوا أخاه، وطلبوا فدية مقابل إطلاق سراحه. وهنا لم
يجد غلام حلا غير الطريق الذي سلكته أخته من قبل، فذهب إلى المستشفى ليبيع كليته،
شاركه في نفس الغرفة ثلاثة أشخاص آخرين كانوا يبيعون كلاهم في نفس الوقت، وحصل
غلام على حوالي 2500 دولار.
كلية غلام اشتراها شخص اسمه عبداللطيف من محافظة أخرى، ولديه محلات
لتصليح الثلاجات. يقول غلام إنه لم يسمع عن أجانب اشتروا الكلى، بل كل من يشتري
الكلى هم أفغان أيضا.
غلام يشعر بالأسف لبيعه كليته، يقول إنه يشعر بالألم طوال الوقت،
وأصبح على قناعة بأن الألم سيلازمه طوال حياته، كان غلام يعمل بالبناء مقابل أجر
بسيط، لكن ذلك أصبح صعباً عليه بعد بيع كليته.
يقول غلام أن إخوته الستة باعوا كلاهم، وثلاثة من أخواته البنات،
واثنين من أزواجهن. ويضيف: لم يعد لدينا كلى للبيع، ولا يوجد أي مصدر دخل لنا أو
للناس في المخيم، إذا استمرت الأحوال سيئة بهذا الشكل فلن يكون هناك حل أمام الناس
إلا بيع أطفالهم.
الأخ المخطوف يروي قصته
المخطوف واسمه عبدالغني عاد للمخيم بعد أن دفع غلام الفدية وأطلق
الخاطفون سراحه، لديه ندوباً في كل أنحاء جسمه تقريبا.
يقول إن عمره كان 19 عاما حينما تم اختطافه، تم ضربه كثيرا، ورأى
الخاطفون يقتلون أناسا أمامهم، لم يكن لديهم أماكن لقضاء الحاجة، ولا يسمح لهم
بالاستحمام لأشهر.
بعد أن عاد للمخيم، اضطر هو أيضا لبيع كليته، حتى يدفع تكاليف علاجه
مما لاقاه في الخطف وحتى يساعد الأسرة في سداد ديونها.
التاجر وكلية غلام
في أحد الأسواق في وسط هرات يقع محل عبداللطيف الذي يصلح فيه الثلاجات
ويبيع الآيس كريم، وكما يصلح الثلاجات، فقد حاول إصلاح جسده المعطوب بشراء كلى
بدلا من كلاه التي لا تعمل.
يبلغ عبداللطيف من العمر خمسة وأربعين عاما، يقول أن كلية غلام التي
اشتراها لم تكن أول واحدة، بل كانت الثانية، حيث سبق له شراء كلية وفشلت، أما كلية
غلام فهي التي عملت وأراحته من مشاكله.
لدى عبداللطيف ندوبا جراحية على الجانبين الأيمن والأيسر بسبب عمليتي
الزراعة التي مر بها، يقول أنه كان يعاني من فشل كلوي، وكان يتعذب كثيرا.
أول عملية زراعة كلى أجراها في باكستان بشكل غير قانوني، ودفع مقابلها
حوالي 3000 دولار، ثم 2300 دولار مقابل المراجعات الطبية، ولكن تلك الكلية توقفت
عن العمل بعد حوالي ثلاث سنوات، ثم أتصل به أخاه وربطه بغلام من المخيم، وأنه يريد
بيع كليته، اتفقا وأجريا العملية في المستشفى.
كلية غلام كلفت عبداللطيف أكثر بكثير من الكلية الأولى، حيث كلفته 15
ألف دولار، ذهب منها 2500 لغلام، والباقي للطبيب والمستشفى. واستطاع عبداللطيف
تدبير جزء من هذا المبلغ، وساعده أقرباؤه بالبقية.
N.A