تلعب الديمقراطية، كنظام حكم عصري، دورا محوريا في بناء مجتمع حر وعادل. وتعد الانتخابات، بوصفها العمود الفقري لهذا النظام، أداة جوهرية لإحداث تغييرات جذرية في بنية السلطة، إن هذه العملية ليست مجرد حق دستوري فحسب، بل هي واجب وطني يضطلع به كل مواطن ليصبح مشاركا فاعلا في صياغة مستقبل وطنه.
تلزم هذه العملية جميع الفاعلين السياسيين بتحمل المسؤولية وإيلاء الأهمية للمصلحة العامة، وصون الحريات، واستقلال المؤسسات، وتحقيق العدالة، والحفاظ على الوحدة الوطنية، فضلا عن إرضاء المواطنين.
في إطار هذا الفهم العميق، يصبح التصويت تعبيرا ساميا عن الوعي السياسي والتزام المواطنين بحماية حقوقهم الدستورية. من خلال هذا الفعل الحاسم، يصبح المواطنون أصحاب القرار الحقيقيين في الشؤون السياسية والاقتصادية للبلاد، قادرين على إحداث تأثير ملموس على الوضع العام للمجتمع.
علاوة على ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية إيجاد قوة ثالثة قوية، سواء داخل السلطة أو كمعارضة فعالة. هذه الديناميكية السياسية تشكل ضمانة للحفاظ على التوازن في النظام السياسي في كردستاننا وتمنع أي احتكار للسلطة.
بيد أنه يجب التأكيد على أن تقليل دور المعارضة، أو اعتبارها تهديدا للعملية السياسية، يعد مؤشرا على قصور في فهم أسس الحكم الحديث. هذا النمط من التفكير يظل محصورا في إطار أنظمة الحكم البالية ولا يمكنه تلبية متطلبات العصر.
عندما يتمكن الناخب من إزاحة طرف من السلطة وتحويله إلى المعارضة، أو إيصال طرف من المعارضة إلى السلطة بصوته، عندها يصبح الشعب المالك الحقيقي للسلطة.
بهذا، تصبح الديمقراطية أساس النظام السياسي وآلية فعالة لحماية الوطن والشعب وضمان مستقبل مشرق لهذه الأرض والوطن.
في سياق إقليم كردستان، تكتسب أهمية هذا الوعي السياسي بعدا حيويا. واليوم، نحن الكردستانيون في أمس الحاجة إلى هذا الوعي السياسي أكثر من أي شعب أو بلد آخر.
لذا، يتعين عليك كمواطن أن تثق بنفسك ولا تصغي لأولئك الذين يستخفون بوعيك السياسي.
إن أي شخص يجري أدنى بحث في تاريخ هذا الإقليم سيدرك كيف استطعت كمواطن، رغم جميع العقبات، أن تعاقب السلطة بصوتك وتوصل العديد من أحزاب المعارضة إلى البرلمان والسلطة. كما تمكنت من معاقبة تلك المعارضة مرة أخرى عندما بدأت بالمتاجرة بأصواتك مقابل بعض المناصب والأموال.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، المواطن مستعد وواع للتغيير. والقدرة موجودة لمعاقبة أي طرف سياسي تلاعب أو ينوي التلاعب بصوته وإرادته ومستقبله مرة أخرى.
في رأينا، بدون هذا الوعي الجماهيري، ستحدث السيناريوهات التالية بعد الانتخابات:
الأول: قد يلجأ الطرفان الكرديان إلى سياسة التلاعب بنتائج الانتخابات للحصول على موقع أفضل في المعادلة الانتخابية. سيتم ذلك من خلال:
1. التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، استنادا إلى ذرائع متنوعة، بما في ذلك الادعاءات بعدم قانونية النتائج.
2. أو اللجوء إلى تفاهمات أو اتفاقيات سياسية قانونية أو حتى غير قانونية لرفع سقف عدد المقاعد لصالحهما.
الثاني: إذا فاز الحزبان الرئيسيان بالمرتبتين الأولى والثانية كالعادة دون وجود قوة ثالثة قوية في المنافسة معهما، فإن محاولات تشكيل الحكومة بينهما لن تنجح وستستغرق وقتا طويلا، قد يمتد من سنة إلى سنتين. وذلك لعدة أسباب:
1. صعوبة توزيع المناصب الرئيسية بين الحزبين، خاصة إذا أرادا تشكيل الحكومة الجديدة معا بسبب إصرار حزب الاتحاد الوطني على الحصول على أحد المنصبين الرئيسيين: رئيس الوزراء أو رئيس الإقليم. من المتوقع أن يمنح المنصب الثاني، لأن الحزب الديمقراطي سيرفض منح المنصب الأول للاتحاد الوطني، خاصة إذا كان عدد مقاعده أقل من مقاعد الحزب الديمقراطي.
2. هناك تعقيدات في منح منصب رئيس الإقليم لحزب الاتحاد الوطني، لأن الحزب الديمقراطي، حتى لو وافق، سيشترط أن يحصل الاتحاد الوطني على منصب رئيس العراق في المعادلة السياسية الكردية-العراقية.
3. هناك صعوبة في ضمان منصب رئيس العراق، لأن:
أ. الحصول على هذا المنصب مرتبط بنتائج الانتخابات العراقية المقبلة.
ب. يتطلب اتفاقيات سياسية داخلية عراقية وإقليمية.
ج. قد يتطلب تقديم تنازلات كبيرة من الجانب الكردي للأطراف العراقية والإقليمية.
د. حتى لو تحقق ذلك، قد يستغرق سنة ونصف على الأقل.
الثالث: إذا لم يتمكن الحزبان من الاتفاق على تشكيل حكومة مشتركة، وحاول كل منهما تشكيل كتلة برلمانية مع أطراف أخرى، فإن هذا السيناريو سيكون أكثر تعقيدا ويستغرق وقتا أطول.
نتيجة لذلك، أتوقع حدوث ما يلي:
1. مطالبات بإعادة الانتخابات بسبب عدم القدرة على تشكيل الحكومة خلال المدة القانونية المحددة.
2. استمرار الوضع الحالي دون تشكيل حكومة جديدة، مع تقديم مبررات قانونية أو اتفاقيات سياسية لتبرير هذا الموقف، كما حدث سابقا في العراق.
3. أتوقع أن أفضل خيار لدى الحزبين سيكون اللجوء إلى تكرار سيناريو تشكيل إدارة كركوك ومحافظها كأمر واقع لتشكيل الحكومة القادمة.
4. حتى لو تشكلت الحكومة، ستكون مهامها محدودة بتكرار وترسيخ نموذج الإدارة الحالي للإقليم، مع استمرار التقسيم المناطقي.
5. نرى خطرا أكثر جدية إذا لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة لأي سبب كان.حيث ستكون هناك محاولات لفرض سلطة حكومة بغداد على الإقليم، سواء كان ذلك من خلال وسائل قانونية ودستورية، أو كان من خلال فرض أمر واقع وكإجراء مؤقت، او لتحولها الى امر دائمي، وسواء كان ذلك بتوافق كردي كردي داخلي، أو كان من قبل اطراف خارجية. او كان بتواطؤ داخلي مع الأطراف الخارجية.
6. من المحتمل أن يؤدي عدم الوعي السياسي إلى تحول تقسيم الإقليم من مرحلة "الأمر الواقع" (المفروض بحكم الواقع) إلى مرحلة "القانونية" (المعترف بها قانونيا). هذا سيمهد الطريق لنجاح خطط الدول المجاورة لتقويض هذه التجربة.
لكن الحل الأفضل للخروج من هذا المأزق، أراه في أحد هذين الحلين:
1. فوز طرف ثالث بأغلبية المقاعد.
2. تشكيل كتلة برلمانية من أحزاب المعارضة تمتلك عددا كافيا من المقاعد، خاصة وفقا للقانون العراقي الذي ينص على أن الكتلة الأكبر بعد الانتخابات هي التي لها الحق في تشكيل الحكومة، وليس الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات.
وذلك إما:
- لتشكيل الحكومة بمفردها، أو بالتحالف مع أحد الطرفين الرئيسيين إذا لم يكن هناك خيار آخر، ولكن بشرط الحصول على المناصب الرئيسية في الحكومة القادمة وبكامل الصلاحيات.
- أو لتشكيل معارضة قوية داخل البرلمان لمراقبة وضغط عمل السلطة والدفع نحو تنفيذ استقلال مؤسسات وهيئات الإقليم.
في الختام، إن الوعي السياسي والمشاركة الفعالة في العملية الانتخابية ليسا مجرد حق فحسب، بل هما واجب وطني وديني أيضا. فقط من خلال هذا الوعي يمكننا ضمان حماية الهوية الكردستانية والمصالح الوطنية، وصد المخططات الخارجية الرامية إلى تقسيم وإضعاف الإقليم.
سامي ريكاني