سلط تقرير لموقع "الحرة" الاربعاء، الضوء على علاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة في العراق، فيما أشار إلى الاسباب التي تؤدي إلى حدوث ذلك.
ونقل التقرير الذي تابعه NRT اليوم، (29 ايلول 2021)، عن شهادات حية للمرضى الذين حققوا شفاء كاملا من المرض بعد إتمامهم للبرنامج العلاجي الجديد الذي يؤخذ عن طريق الفم فقط مما يغني المرضى عن الحقن المؤلمة.
وفيما يلي نص التقرير:
في مدينة الصدر، إحدى مناطق العاصمة العراقية بغداد، يجلس إحسان علي مع أطفاله الأربعة في البيت، حيث يستمتع الأب البالغ من العمر 44 سنة بصحبة أسرته بعد أسابيع اضطر أثناءها أن يعزل نفسه عنهم.
أصيب إحسان بالتدرن (السل) مرتين من قبل، لكن الأطباء شخصوا إصابته مؤخرا على أنها من النوع المقاوم للأدوية المتعددة.
عادة ما يعاني مرضى السل من أعراض خطيرة تؤثر على حياتهم تأثيرا بالغا، تشمل السعال وألم الصدر والوهن الشديد والفقدان المفاجئ للوزن والحمى.
والسل الذي لا يرافقه مضاعفات يمكن شفاؤه، لكن على المرضى تحمل أشهر من العلاج بأدوية قوية وقاسية. لكن يمكن أن تتفاقم عدوى السل لتصبح مقاومة للأدوية وبهذا يتحول المرض إلى ما يعرف بالسل المقاوم للأدوية المتعددة.
وتحدث مقاومة الأدوية عندما لا تستخدم أدوية السل بالشكل الصحيح وذلك حين يرتكب القائمون على الرعاية الصحية أخطاء في وصفها، و/أو حين تكون الأدوية رديئة النوعية، و/أو حين لا يمتثل المرضى لتناول العلاجات الموصوفة لهم بحسب نصائح الأطباء.
وإلى وقت قريب كان علاج السل المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارات قوية تؤخذ فمويا وحقنا، بحيث يمكن أن يستغرق البرنامج العلاجي مدة تصل إلى عامين، وقد تؤدي تلك العلاجات إلى تعرض المرضى لآثار جانبية خطيرة كالصمم وضرر الكلى، فضلا عن مشكلات نفسية شديدة.
علاج أفضل
تدعم فرق منظمة "أطباء بلا حدود" العاملة في العراق، المعهد الوطني لمكافحة التدرن، في تحري وتشخيص مرضى السل العادي والمقاوم للأدوية المتعددة.
كما عملت منظمة أطباء بلا حدود على تقديم برنامج مبتكر لعلاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة يعتمد على عقارين جديدين هما "بيداكيلين" و"ديلامانيد".
ويعتمد هذا البرنامج الجديد، الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، على أدوية تؤخذ بالكامل عن طريق الفم، مما يغني المرضى عن الحقن المؤلمة.
كما أثبتت هذه الأدوية الجديدة قدرتها على تحسين معدلات امتثال المرضى للبرامج العلاجية، وحققت نجاحا أكبر في العلاج في فترة أقصر، وبآثار جانبية أقل.
وتقول حميدة، وهي جدة تبلغ من العمر 65 عاما: "كنت أتعالج من إصاباتي السابقة بحقن يومية كانت تسبب لي الكثير من الآثار الجانبية. كنت أعاني من حكة شديدة ومن كدمات على الجلد. لكنني أشعر بالتحسن منذ بدأت بتناول الأقراص الدوائية الفموية فهي أفضل بكثير. الأقراص تسبب لي بعض آلام المعدة، لكن آثارها الجانبية أقل بكثير مقارنة بالحقن".
وحميدة من بين أوائل المرضى العراقيين الذين حققوا شفاء كاملا من المرض بعد إتمامهم للبرنامج العلاجي الجديد.
شهادة أخرى تقدمها فاتن، وهي أم لشاب وثلاث فتيات تعيش في بغداد.
تقول فاتن: "في يوليو 2020، كنت أعاني من السعال ومن حمى متواصلة كما كنت أشعر بالتعب طوال الوقت. فذهبت لطلب المشورة الطبية وأحالني الأطباء إلى المعهد الوطني لمكافحة التدرن (السل) حيث شخصت إصابتي بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة. لم تفاجئني نتائج الفحوص، إذ كنت على علم بطبيعة هذا المرض ومعتادة على عوارضه".
وتتابع: "لم يكن المرض وطبيعة علاجه غريبين عني، إذ أصيبت ابنتي بالتدرن في وقت سابق، وتخلل النظام العلاجي الذي اتبعته ابنتي حقنا وأدوية فموية، فكانت تأخذ حقنة كل يوم على مدار 8 أشهر. لقد عانت الأمرين حتى تعافت، إذ شعرت بالوهن الشديد، وفقدت الكثير من وزنها. كما فقدت قدرتها على الدراسة أو الذهاب إلى المدرسة. كنا نزور المعهد شهريا لإجراء الفحوص والحصول على الأدوية".
لكن علاج فاتن جاء مختلفا: "عندما شخصت إصابتي بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة، لم أتلق أي حقن، بل اتبعت نظاما علاجيا فمويا بالكامل. في البداية، شعرت بتعب شديد. وتوجب علي ملازمة الفراش طوال الوقت. وجاء التعب والحمى ليكللا معاناتي. إن علاج التدرن ليس بالأمر السهل أبدا. فعلاوة على المعاناة الجسدية، كان علي أن أعزل نفسي وألا أرى عائلتي وتساءلت كيف يمكنني أن أنجز مهامي كربة منزل. لكن الحمد لله، ساعدتني ابنتي الكبرى في أعمال المنزل".
وبعد شهر ونصف من تناول الأدوية، بدأت فاتن تلاحظ فروقا كبيرة وتصف ذلك بقولها: "لقد عادت حياتي إلى طبيعتها أخيرا. ولم أعد احتاج إلى عزل نفسي فلم يعد المرض معديا. ومع ذلك، يتعين علي إبقاء أغراضي الشخصية بعيدا عن متناول الآخرين كالصحون وأدوات المائدة كما يجب أن أتفادى الاقتراب منهم بشكل كبير، لكن على الأقل يمكنني أن أجلس بجوارهم من جديد".
ويقول المستشار الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في بغداد، هيمانت بانغتي، الذي يشرف على مجموعة مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة: "إننا سعداء جدا بإتمام ستة مرضى البرنامج الجديد بالكامل وبشفائهم، علما أن هناك اليوم في أغسطس 2021 ما مجموعه 93 مريضا لا يزالون يتلقون العلاج الفموي".
وبدأت منظمة أطباء بلا حدود في 2020 تطبيق البرنامج الجديد لعلاج مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة في العراق بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة التدرن، حيث اعتمد البرنامج الجديد في وقت لاحق من ذلك العام رسميا لعلاج جميع مرضى التدرن المقاوم للأدوية المتعددة في البلاد، إذ يخضع جميع المرضى الذين تشخص إصابتهم بهذا الشكل من التدرن لبرنامج علاجي بأدوية فموية بالكامل، ما عدا استثناءات قليلة تكون نتيجة لمتطلبات طبية معينة.
ويقول إحسان: "حين أعلموني بأنني مصاب بالتدرن المقاوم للأدوية المتعددة أخبرني الأطباء في المعهد الوطني لمكافحة التدرن عن البرنامج العلاجي الجديد الذي يعتمد على أدوية فموية. وقد وافقت على الفور إذ لم أكن أريد أخذ الحقن المؤلمة مجددا كل يوم. وها أنا اليوم أخضع للعلاج منذ حوالي 10 أشهر وأبلي بلاء حسنا. فهذه الحبوب التي أتناولها نعمة مقارنة بالحقن".
تخفيف المعاناة اليومية
ويواجه مرضى السل بمختلف أشكاله العديد من التحديات في حياتهم اليومية نظرا لوضعهم الصحي. كما أنهم ينقلون العدوى في المرحلة المبكرة للإصابة ويجب عليهم عزل أنفسهم تجنبا لإصابة الآخرين، مما يؤثر عادة على صحتهم النفسية ومصدر رزقهم.
وفي هذا الخصوص يقول إبراهيم محمد، وهو أب لثمانية أطفال يعيش في مدينة الصدر: "كنت حمالا قبل أن أصاب بالمرض، لكنني لم أعد قادرا على العمل بسبب مرضي. ولا يمكننا تحمل تكاليف الكثير من الأمور".
وإبراهيم مصاب بالسل المقاوم للأدوية المتعددة وهو حاليا في المرحلة المعدية. ويتابع قائلا: "في معظم الأوقات، طعامنا هو الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نتحمل تكاليفه، وهذا بفضل مدخول ابني الذي يعمل حمالا هو الآخر".
وتؤمن منظمة "أطباء بلا حدود" أيضا الدعم لمرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة تخفيفا للأعباء المادية التي يفرضها عليهم العلاج وتشجيعا لهم على حضور جلسات المتابعة التي يوصيهم بها القائمون على الرعاية الصحية. ويتضمن هذا الدعم بدل مواصلات للذهاب إلى المعهد الوطني لمكافحة التدرن والعودة منه، إلى جانب تقديم وجبات غذائية لمن لا يقدر على العمل خلال فترة المرض، كما هو حال إبراهيم.
كما أن فرق "أطباء بلا حدود" تهدف إلى خطوة أبعد في مجال علاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة في العراق. وفي هذا الشأن يقول بانغتي: "يتلخص هدفنا القائم حاليا في إلغاء مركزية العلاج بحيث لا يضطر الناس للسفر إلى بغداد للاستفادة من هذه الخدمات. فقد كان على جميع المرضى من مختلف أرجاء العراق حتى الآن المجيء إلى هنا للحصول على أدويتهم ومتابعة حالتهم. لكننا نريد أن يتغير هذا الواقع. فالتغلب على التدرن في حد ذاته صعب ومؤلم بما فيه الكفاية. كما أن علاج الشكل المقاوم للأدوية المتعددة أصعب حتى. ولهذا نريد تسهيل إجراءات العلاج على المرضى بكل ما نستطيع إليه سبيلا، وقد اتخذنا بالتعاون مع المعهد الوطني لمكافحة التدرن خطوات كبيرة في هذا الاتجاه".
يشار إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تتعاون منذ يونيو 2021 مع البرنامج الوطني لمكافحة التدرن والمنظمة الدولية للهجرة لتدريب طواقم الرعاية الصحية في محافظات عدة في العراق تحسينا لقدراتها على تحري التدرن المقاوم للأدوية المتعددة مبكرا وتأمين العلاج والمتابعة للمرضى.
ويختتم بانغتي حديثه قائلا: "سيساعد إلغاء المركزية المرضى على توفير الوقت والمال إذ سيمكنهم من الحصول على خدمات رعاية عالية الجودة قريبا من بيوتهم. ونأمل أن تساعد كل هذه الخطوات في تخفيف معاناتهم وتسهم إيجابيا في علاجهم وفي حياتهم اليومية".
A.A