في عالم السياسة، يكثر الكلام، وتقل الأفعال، وفي كوردستان العراق، أصبحت ساحة السياسة مزدحمة بالشعارات والوعود دون أثر ملموس على أرض الواقع.
هذه المقالة ليست إلا دعوة صريحة، ولكن بعبارات مبطنة، لكل من يعتقد أنه يحمل راية القيادة دون مراجعة ذاته، ولكل من ينظر إلى الجيل الجديد بعين الريبة، وهو الجيل الذي عمل وصنع تغييرا حقيقيا، دون أن يطلب ثناء أو إعلانا عن إنجازاته.
لا يمكن إنكار أن المسار السياسي الذي شهدته كردستان مليء بالعثرات والتحديات، ولكن من الظلم أن يتحمل البعض عبء إخفاقات الجميع.
العمل الحقيقي هو من يتحدث عن نفسه، وليس الكلام المفرغ أو التسميات الرنانة. المشاريع التي دعمت استقرار المجتمع، وعززت من فرص الحياة الكريمة للناس، لم تأت من فراغ. هناك عقول شابة وطاقات جديدة عملت بصمت، لم تنتظر دعما سياسيا أو مكافآت، بل كانت مشغولة ببناء الجسور الحقيقية بين الواقع والطموح.
وهنا، أجد نفسي مضطرا لسؤال الأحزاب السياسية، بما فيها الأحزاب الحاكمة: أين أنتم من هذا الحراك الجديد؟ ماذا قدمتم للشباب الذي بذل قصارى جهده لملء الفراغ الذي تركتموه؟ لماذا تكتفون بالكلام عن المستقبل بينما الجيل الجديد هو من يبنيه بأيد مليئة بالعرق والأمل؟
إن مراجعة الحسابات السياسية ليست خيارا، بل ضرورة.
هناك مواقف يجب أن تقيم بإنصاف. حين أطلقت مبادرات ومشاريع كانت هدفها خدمة الناس، لم يكن الدافع سوى الإيمان بأن العمل هو الطريق الوحيد للتغيير.
هذه المشاريع لم تأت من خلف كواليس الأحزاب ولا من طاولات الاجتماعات العقيمة، بل كانت نابعة من إرادة حقيقية لتقديم شيء يذكره الناس ويستفيد منه المجتمع.
والآن، أعود لأتحدث بغير المباشر إلى الجيل الجديد: أنتم من أثبتم أن السياسة ليست مجرد وعود وخطابات، أنتم من كنتم صوت الشعب الحقيقي، من خلال أعمالكم وإنجازاتكم التي تظهر يوما بعد يوم.إن صمتكم عن المطالبة بالفضل هو ما جعل عملكم أبلغ من كل الكلمات.
ولكن، هل هذا كاف؟ بالتأكيد لا. هناك من يحاول تهميشكم، ومن يخشى أن يأخذ الجيل الجديد مكانه في قيادة المرحلة القادمة. لهذا، يجب أن يستمر عملكم بنفس القوة والإصرار، وألا تلتفتوا لمن يحاول التقليل من شأن ما تحقق.
وانتم ، حينما تعملون وتتخذون قراراتكم، تضعون نصب أعيننا دائما مصلحة شعبنا في كوردستان العراق. كل خطوة تخطونها، وكل مشروعن تدعمونها، وكل موقف تتخذونها، لم يكن يوما لمصلحة شخصية أو لتحقيق مكاسب مؤقتة. بل كان هدفكم الدائم هو حماية حقوق شعبنا، وتعزيز مكانته، وضمان استقراره وازدهاره.
لم تكن المساومة على مصلحة الكورد في المنطقة خيارا مطروحا في قاموسنا السياسي. كنا وما زلنا نؤمن بأن إرادة الشعب الكوردي أقوى من أي صفقات أو تنازلات، لقد عملنا بكل جهد على تمثيل شعبنا في المحافل الإقليمية والدولية بكرامة، مؤكدين أن صوت كردستان لا يمكن أن يختزل أو يهمش.
ولكن، في ظل هذا الالتزام الدائم بالمصلحة العامة، واجهتم تحديات عديدة، سواء من الداخل أو الخارج. هناك من يحاول تشويه الحقائق، أو التقليل من قيمة الإنجازات التي حققتمها، محاولين إضعاف الثقة بينكم وبين شعبنا. ولكننا نعلم أن الأفعال هي التي تظهر النوايا الحقيقية، وأن التاريخ سيثبت أن ما قمتم به كان دائما في خدمة الإقليم وأبنائه.
رسالتي الأخيرة للأحزاب السياسية والأحزاب الحاكمة في كردستان: الجيل الجديد قد أثبت أنه أمل المستقبل، فإما أن تلتحقوا بركب العمل الحقيقي، أو تراجعوا حساباتكم لتدركوا أن الكلام الكثير لن يغطي على ضعف الإنجاز. التاريخ سيذكر من صنع التغيير، وليس من تحدث عنه.