بينما كانت العاصمة السورية دمشق تحاول جمع شتات أبنائها بعد الخروج الأخير من سجن صيدنايا سيئ الصيت، كانت جراح أخرى تفتح في مدينة حمص، عاصمة الثورة السورية، التي عانت أشد المعاناة على يد نظام الأسد طوال سنوات الحرب.
وفي هذه المدينة، التي تحمل ذكريات الثورة، كان هناك سجن آخر لا يقل قسوة عن صيدنايا، ألا وهو "سجن البالونة"، الذي أصبح مكانا مروعا للمعتقلين بعد اندلاع الثورة.
يعد سجن البالونة ثاني أفظع السجون السورية، ويقع في محافظة حمص. كان السجن في الأصل مخصصا لمحاكمة العسكريين والضباط، ولكن مع اندلاع الثورة السورية، أصبح محطة رئيسية للمعتقلين الذين سيقتادون لاحقا إلى سجن صيدنايا.
السجن، الذي يحتوي على أربعة طوابق، كان يضم نحو 4500 معتقل، أي بمعدل 113 شخصا في كل زنزانة، وقد أظهر التحقيق وجود غرف منفردة ضيقة لا تتجاوز مساحتها مترين، بلا تهوية أو فتحات للتنفس، ما يجعلها غير آدمية تماما.
وكانت التهم الموجهة للمعتقلين تتنوع بين رفض إطلاق النار على المتظاهرين، والانشقاق عن الجيش، والانتماء إلى "عصابات أشرار"، والهروب من المعارك.
وكانت أساليب التعذيب تتفاوت بين السجانين، حيث كان المعتقلون يتعرضون لظروف غير إنسانية تشمل سوء التغذية، وكانوا يحصلون على رغيف خبز واحد فقط في الصباح وآخر في المساء، مع بطاطا مسلوقة في بعض الأحيان، إن لم تسرق منهم.
وفي شهادة من أحد المعتقلين السابقين، محمد أحمد حسين، الذي لم يمكث في سجن البالونة أكثر من شهر، يروي كيف أعتقل بسبب هروبه من معركة ورفضه القتال.
وكشف حسين عن معاناته اليومية من التعذيب وسوء التغذية، وأشار إلى أن السجناء كانوا يترقبون دائما اللحظة التي قد يطلب فيها منهم حمل السلاح والانضمام إلى الجيش، لكنهم لم يشاركوا في المعارك، حيث تم تحريرهم من قبل قوات المعارضة أثناء عملية "ردع العدوان".
ورغم أن سجن البالونة كان يعد من أكثر السجون غموضا، إلا أن أعداد المعتقلين فيه كانت كبيرة، وقد وصل الرقم إلى 10 آلاف معتقل في بعض الأحيان، خاصة بعد نقل المعتقلين من سجن صيدنايا.
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان العديد من حالات التعذيب وسوء التغذية التي تعرض لها المعتقلون، ما جعل هذا السجن جزءا من سجل طويل من الانتهاكات التي شهدتها السجون السورية بعد اندلاع الثورة.
تعد هذه الشهادات بمثابة تذكير صارخ بالواقع المرير للمعتقلين في سوريا، وتفتح جراحا أخرى في ذاكرة الحرب التي لم تنته بعد.
LF