الصداع النصفي يعد من أكثر المشكلات الصحية شيوعا، إذ يصيب نحو 14-15% من الأشخاص حول العالم، ويعد من الألغاز الطبية التي يصعب فهم أسبابها الدقيقة رغم تطور الأبحاث.
وقد يكون الصداع النصفي نتيجة عدة عوامل مثل تناول الشوكولاتة، بعض أنواع الجبن القديم، التعرض لروائح نفاذة، العواصف الرعدية، برودة الطقس، أو حتى التوتر وقلة النوم. لكن حتى الآن، لم يتمكن العلماء من تحديد السبب الرئيسي وراء نوبات الصداع النصفي.
إحدى أبرز الاكتشافات الحديثة التي قد تساهم في تفسير أسباب الصداع النصفي، هي جزيئات معينة في الجسم تسمى "سي.جي.أر.بي". تشير الدراسات إلى أن هذه الجزيئات قد تلعب دورا في تحفيز نوبات الصداع النصفي.
وتقول ديبي هاي، أخصائية علم الدواء بجامعة أوتاجو في نيوزيلندا، إن هناك جدلا كبيرا حول السبب المباشر وراء الصداع النصفي، لكن "سي.جي.أر.بي" يبدو أنه يلعب دورا رئيسيا.
من خلال التجارب، لاحظ العلماء أن حقن "سي.جي.أر.بي" في الجسم قد يسبب الصداع النصفي لدى بعض المتطوعين. كذلك، جزيئات أخرى مثل "بي.إيه.سي.إيه.بي" وأكسيد النتروجين يمكن أن تؤدي إلى أعراض مشابهة.
وجميع هذه الجزيئات تعتبر "مفاتيح" لتنشيط نوبات الصداع النصفي، وهو ما يفتح الباب للبحث عن أدوية تعمل على منع هذه الجزيئات وتخفيف الألم.
وبالرغم من أن الأطباء كانوا يعتقدون في البداية أن تمدد الأوعية الدموية في الدماغ هو المسؤول عن الصداع، إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الصداع لا ينشأ من الدماغ نفسه بل من السحايا، التي تحتوي على الأعصاب المسؤولة عن الشعور بالألم، وهذا يفسر لماذا قد يشعر المريض بألم شديد رغم أن الدماغ نفسه لا يحتوي على مستقبلات للألم.
تختلف أنواع الصداع النصفي، حيث يوجد النوع المصحوب بالغثيان والحساسية للضوء، والنوع الذي تواكبه ومضات ضوئية في العين، والصداع المرتبط بفترة الحيض لدى النساء، كما يشخص الصداع النصفي أيضا في بعض الأحيان لدى الأطفال، مع أعراض معدية.
فيما يتعلق بالعلاج، يستخدم الأطباء مجموعة متنوعة من الأدوية التي تشمل مسكنات الألم مثل الأسبرين والإيبوبروفين، وكذلك أدوية "التريبتان" و"الديتان" التي تعمل على مستقبلات السيروتونين في المخ، وعلى الرغم من أن بعض هذه الأدوية قد تكون فعالة، إلا أنها قد تتسبب في آثار جانبية.
في الآونة الأخيرة، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أدوية جديدة تستهدف جزيئات "سي.جي.أر.بي" كمثبطات لعلاج الصداع النصفي أو الوقاية منه.
ومع ذلك، يبقى هناك الكثير من النقاش بين الأطباء حول فعالية هذا النوع من العلاج، إذ يعتقد بعضهم أنه قد يكون الحل المرتقب بينما يرى آخرون أنه لا يزال يحتاج إلى المزيد من الدراسات لتأكيد فعاليته.
LF