توارث الذكريات من الآباء إلى الأبناء هو موضوع مثير للاهتمام ويطرح العديد من الأسئلة حول كيفية انتقال الخبرات والسلوكيات عبر الأجيال.
تتناول دراسة نشرت في مجلة نيتشر نيروساينس (Nature Neuroscience) في عام 2014 هذه الفكرة من خلال تجربة مثيرة أجريت في جامعة إيموري، جورجيا، والتي أوضحت كيف يمكن أن تتأثر سلوكيات الأفراد بخبرات أجدادهم.

- التجربة على الفئران وحب الكرز:
1. التحضير: قام العلماء بتعريض مجموعة من الفئران لرائحة تشبه رائحة الكرز ومن ثم عرضها لصدمات كهربائية خفيفة.
2. التعلم: تعلمت الفئران بسرعة أن تتجمد كلما شمت رائحة الكرز خوفا من الصدمات.
3. الأجيال اللاحقة:
   - أنجبت هذه الفئران مواليد صغار تم تربيتها دون تعريضها للصدمات أو رائحة الكرز.
   - كبر هؤلاء الصغار وأنجبوا بدورهم جيلا ثالثا.
4. إعادة التجربة: عندما أجريت التجربة مرة أخرى على الجيل الثالث، وجد العلماء أن الفئران كانت تتجمد كلما شمت رائحة الكرز، تماما مثل أجدادها.

- التغيرات الوراثية:
- اكتشف الفريق البحثي أن الحمض النووي في الحيوانات المنوية للفئران الجد قد تغير نتيجة للتجربة.
- هذا التغيير أدى إلى تعديل الدائرة العصبية في أدمغة الأجيال اللاحقة، بحيث تم إعادة توجيه الخلايا العصبية من الأنف بعيدا عن دوائر المتعة والمكافأة وربطها باللوزة الدماغية، المسؤولة عن الخوف.

تشير هذه النتائج إلى أن الذكريات المؤلمة يمكن أن تنتقل عبر الأجيال عن طريق تغييرات وراثية في الحمض النووي، وهذه التغييرات تؤثر على تركيب الدماغ وطريقة استجابته للمحفزات، مما يضمن أن الأجيال الجديدة تكتسب الحكمة المستفادة من تجارب الأجداد.

تقدم هذه الدراسة دليلا على أن بعض السلوكيات والذكريات يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر دون الحاجة لتجربة مباشرة، مما يفتح مجالا جديدا لفهم كيفية تأثير التجارب البيئية على الوراثة والسلوكيات عبر الأجيال.

هذا يمكن أن يكون له تداعيات مهمة على مجالات مثل علم النفس، علم الأعصاب، والبيولوجيا الجزيئية.

بينما تحتاج هذه النتائج إلى مزيد من البحث والتأكيد، فإنها تطرح إمكانية أن الخبرات المؤلمة أو الحاسمة يمكن أن تترك بصمات دائمة على الأجيال اللاحقة من خلال التغييرات الوراثية، مما يوفر أداة إضافية لفهم تعقيدات السلوك البشري والوراثة.



LF