خيار العراق بين الموازنة العامة ٢٠٢٣ والخطة الاقتصادية الثلاثية
PM:02:24:14/04/2023
52192 مشاهدة
د.اراس حسين دارتاش
+
-
قدمت حكومة السيد محمد شياع السوداني قبل ايام مشروع الموازنة العامة للعراق لسنة ٢٠٢٣م الى البرلمان، و لكن دون المعتاد، هذه الموازنة معدة من قبل الحكومة لفترة ثلاث سنوات قادمة المتمثلة بسنوات (٢٠٢٣-٢٠٢٥9)، وهي حسب العرف المالي والاقتصادي، تعتبر حالة غير مجربة سابقا، لان احدى القواعد الاساسية لإعداد الموازنة العامة للدولة هي قاعدة (سنوية الموازنة) الى جانب اهم القواعد الاخرى المتمثلة اختصارا بالقواعد التالية:-
١- قاعدة وحدة الموازنة التي بموجبها يجب ان تشمل الموازنة العامة جميع الإيرادات العامة و النفقات العامة للدولة و ذلك خلال السنة المالية المعنية.
٢- قاعدة توازن الموازنة وهي مكملة للقاعدة الاولى، ويتجسد هذا التوازن بوجوب تساوي اجمالي قيمة الإيرادات العامة المقدرة مع اجمالي قيمة النفقات العامة المقدرة ومن خلال تحديد مبالغ (العجز و الفائض) الماليين المقدرين للسنة المالية المعنية.
٣- قاعدة شمولية الموازنة العامة وهي مكملة للقاعدتين الاولى والثانية، وتفترض هذه القاعدة ان تشمل الموازنة العامة للدولة جميع الإيرادات العامة والنفقات العامة المقدرة، بحيث ان لايقع اي جزء منهما خارج إطار الموازنة العامة للسنة المالية المعنية.
٤- قاعدة عمومية الموازنة العامة وتسمى ايضا بقاعدة (عدم تخصيص) وتفترض هذه القاعدة عدم تخصيص ايرادات وحدة اقتصادية حكومية معينة لتغطية نفقات هذه الوحدة.
ان قاعدة (التقدير) للإيرادات العامة للدولة في السنة القادمة او لثلاث سنوات قادمة، هي أساس المشكلة او المعضلة في الموازنة العامة٢٠٢٣ في العراق للسنوات الثلاث القادمة، حيث ان الإيرادات العامة في العراق تعتمد بنسبة اكثر من (٩٠٪) على الواردات المتاتية من تصدير النفط الخام، إضافة الى تعارضها مع القواعد السابقة، ان الموازنة العامة الحالية تتعارض مع اهم قاعدة من قواعد إعداد الموارنة وهي:
٥- قاعدة سنوية الموازنة العامة، وبموجبها ان يتم اعدادها و تنفيذها لفترة سنة مالية تقويمية، وضعت هذه القاعدة لاجل تحقيق مايلي:-
أ-لاجل ضمان ثبات تقديرات حجم النفقات العامة خلال السنة الواحدة ، تلك النفقات التي من الصعب ان تبقى ثابتة في السنة او السنوات القادمة وهي في حالة تغيير مستمر ارتفاعا وانخفاضا.
ب- وكذلك صعوبة ضمان ثبات تقديرات حجم الإيرادات العامة للدولة في السنة اوالينوات القادمة وخاصة بالبسة لحجم وقيمة صادرات الدولة وكذلك الضراءب وغيرها، ولاسيما في حالة مثل العراق الذي له اقتصاد ريعي تتاثرقيمة إيراداته العامة بتقلبات في إسعار النفط الخام عالميا.
ج- كما ان هذه القاعدة تضمن بصورة أفضل استمرارية اجراءات الرقابة السياسية البرلمانية لبرامج عمل الحكومة المنتخبة برلمانيا ومحاسبتها.
د- انها تضمن و تسهل اجراءات إعداد كشف (الحسابات الختامية السنوية) في نهاية كل سنة مالية تقويمية وهذا الكشف يكون بمثابة وسيلة رقابية لتقويم الاداء الحكومي الفعلي في السنة المنتهية و لمعرفة كيفية الثصرف الحكومي الفعلي بالإيرادات والنفقات العامة من جهة، و مدى إنجاز الحكومة لبرامجها وفي تحقيق أهدافها المرسومة مسبقا من جهة اخرى.
على اي حال يتم إعداد وتنفيذ الموارنة العامة بموجب القواعد انفة الذكر وحسب أهميتها بالنسبة لكل دولة وفقا لظروفها الموضوعية ومرحلتها التاريخية وحسب إطارها التشريعي.
حيث أن النظرية التقليدية (الكلاسيكية) في الاقتصاد في القرن التاسع عشر أخضعت الموازنة العامة لتلك القواعد بهدف وضع اجراءات السلطة التنفيذية (الحكومة القائمة) تحت مساءلة و رقابة السلطة التشريعية ( البرلمان القائم).
ان قواعد الموازنة الكلاسيكية تعتبر قواعد نظرية الى حد ما حسب منظري علم الاقتصاد والمالية العامة، ومنهم من صنفها من حيث الاهمية الى قواعد أساسية واخرى قواعد ثانوية، كما وتختلف أهميتها في التطبيق حسب الزمان والمكان وكذلك حسب (الإطار التشريعي) المتبع لكل دولة.
كما أشير اعلاه، ان هذه القواعد مرتبطة بالمفهوم الكلاسيكي للمالية في القرن التاسع عشر، لكن مع تطور مفهوم المالية العامة والظروف الاقتصادية للدول تطورت معها القواعد المذكورة و اصبح لها العديد من الاستثناءات ولا سيما من حيث الأساليب المستخدمة في إعداد الموازنة العامة ومنها:-
١- أسلوب إعداد موازنة البنود التي تتلائم اكثر مع قاعدة سنوية الموازنة.
٢-أسلوب إعداد موازنة البرامج الاستثمارية التي تتلائم بصورة اقل مع قاعدة السنوية بسبب وجود برامج حكومية تستغرق اكثر من سنة لاجل تحقيق أهدافها، وهذه النقطة هي أساس الجدل الحالي بخصوص المآخذ الذي يؤخذ على إعداد موازنة العراق لسنة ٢٠٢٣ لمدة ثلاث سنوات قادمة.
٣- كما ان النظرية الكلاسيكية كانت ترتكز على المشاكل المالية فقط بمعزل عن العوامل الاقتصادية والمجتمعية المتحكمة بالحياة الاقتصادية، بينما النظرية الحديثة للموازنة لا تتركز على المالية العامة بصورتها المنعزلة بل تأخذ بنظر الاعتبار العوامل و المشاكل الاقتصادية المتعلقة بها.
خلاصة القول ...
أولا- قد يواجه مشروع الموازنة العامة ٢٠٢٣ المقدمة للبرلمان من قبل الحكومة مناقشات حادة داخل البرلمان مما قد توءدي الى تاخير امر تصديقها ليتحول مشروع الموازنة الى قانون الموازنة لفترة اطول من السنة المالية وبالتالي احتمالية حدوث التاخير في تنفيد الحكومة الخالية لبرامجها المتفق عليها من قبل معظم الفعاليات السياسية الرئيسية، علاوة الى احتمالية اعادة هذه الموازنة الى الحكومة لاجل اجراء تعديلات معينة في التخصيصات المقدرة من قبل الحكومة لقطاعات اقتصادية وبطلب من البرلمان و ذلك بسبب المبررات التالية:-
١- تعارض موازنة ٢٠٢٣ مع القواعد اعلاه ولا سيما مع قاعدة سنوية الموازنة والتي تتولد عنها ما يلي:
ا- صعوبة اجراء الرقابة البرلمانية لموازنة يتم اعدادها وتنفيذها لفترة أكثر من سنة مالية واحدة مما توءدي الى فقدان البرلمان لمعظم دوره كسلطة رقابية وتشريعية طيلة الفترة.
ب- صعوبة تقدير حجم كل من الإيرادات والنفقات العامة للحكومة لأكثر من سنة، بسبب التغيرات التي سوف تحصل في المستوى العام للأسعار وأسعار الصادرات والاستيرادات، سعر صرف الدولار، وحجم الضرايب و الديون الى اخره.
ج- صعوبة إعداد (الحسابات الختامية السنوية) التي تخص الخلاصة السنوية لاوجه التنفيذ الفعلي لبنود الموازنة العامة السنوية و تحديد (العجز او الفائض) المتحقق فعلا في الموازنة لعامة و تحديد الرصيد المدور خلال السنة المالية، إضافة الى الديون المقبوضة والمسذذة وفوائدها.
د- صعوبة و عدم واقعية مسألة (تخصيص) المبالغ التي ستنفق على القطاعات الاقتصادية في الدولة في حالة تجاوز الموازنة للسنة المالية وصعوبة تقدير الآثار الاقتصادية المتولدة عن العوامل المستجدة التي توءثر على الحياة الاقتصادية في حالة تجاوز السنة المالية.
٢- لكن كما هو ملاحظ، ان العراق يمر بحالة استثنائية منذ عام ٢٠٠٣م، ولم تكن لديه الموازنة العامة لعدد من السنوات، بل ولم يتم إعداد الحسابات الختامية السنوية لعدد من هذه الموازنات العامة، و هناك تقصير و تلكأ مستمر في تنفيذ المشاريع و البرامج الاستثمارية المقترحة في تلك الموازنات، الحكومية، ناهيك عن حصول انقطاع وعدم التواصل في تنفيذ برامج عمل للحكومات المتعاقبة و تباين في سنوات ممارسة عملها، مما جعلتها متلكئة في تنفيذ برامجها على طول الفترة السابقة.
ثانيا- استنادا الى ما يرد ادناه، بما ان:-
١- حكومة السيد محمد شياع السوداني قد جاءت في ظروف في بالغ الحساسية و استثنائية التي يعيشها العراق .
٢-كما و جاءت هذه الحكومة بموافقة جميع الأطراف العراقية الفاعلة في الساحة العراقية ، بما فيها البرلمان ، كتلة الإطار التنسيقي الشيعي ، تحالف ادارة الدولة المشكلة للحكومة و المكونة من المكونات الرئيسية للشعب العراقي (شيعية،سنية،كوردية)، و غيرهم، كما و هناك اتفاق عام غلى برنامج عمل هذه الحكومة من قبل تلك الأطراف .
٣- و لحد كتابة هذا المقال لا يوجد اي اعتراض فعلي غلى برنامج عمل حكومة السوداني الحالية سواء من قبل التيار الصدري المنسحب من البرلمان، ولا من فبل الأطراف التي تدعي بانها معارضة سواء داخل البرلمان او خارجه.
٤- واهم من هذا و ذاك، لم نجد اي اعتراض علني على البرنامج الحكومي الذي عرضه السيد رئيس المجلس الوزراء على الجهات الفاعلة منذ البدء بممارسة سلطته التنفيذية ، تلك الجهات المتمثلة بالبرلمان وتحالف ادارة الدولة مجتمعة التي تشكل أعضائها مجلس الوزراء الحالي، ناهيك عن الموافقة الضمنية لمسؤولي الإطار التنسيقي الشيعي و تحالف السيادة السني و غالبية الاحزاب الكوردية و التيار الصدري و لحد الان.
ثالثا- وبناءا على ما ورد اعلاه، وبسبب الحالة الاستثنائية التي يعيشها العراق في كل النواحي السياسية و الاقتصادية والامنية و القانونية، لندع
مشروع الموازنة العامة الاستثنائية ٢٠٢٣ لثلاث سنوات قادمة ان تمر كحالة استثنائية من الحالات الاستثنائية التي تمر بالعراق منذ عام ٢٠٠٣م ولحد آلان وبعد ان تناقش فقراتها وتصادق عليها داخل البرلمان وان يراقب تنفيذ فقراتها فيمابعد من قبل اللجان البرلمانية المختصة خلال تلك السنوات الثلاث.
وختاما.. و بسبب اصرار الحكومة الحالية غلى ان تكون الموازنة العامة ٢٠٢٣ لمدة ثلاث سنوات قادمة لاجل تنفيذ و إنجاح برنامجها الحكومي و بسبب التأخير الحالي في مناقشة و تصديق مشروع الموازنة كي يصبح (قانونا) والوقت يقترب تدريجيا من منتصف السنة إضافةً الى الحاجة الملحة للشعب العراقي الى هذه الموازنة .
وبما ان (الموازنة العامةللدولة) ما هي الا (الوجه المالي) للخطة الاقتصادية في الدولة ، لذا من الأفضل و لاجل حل المأزق الحالي ، ان يتم تغيير عنوان ( مشروع الموازنة العامة٢٠٢٣) الى (مشروع الخطة الاقتصادية الثلاثية٢٠٢٣-٢٠٢٥) و بعد تصديقه من قبل البرلمان ان يتحول عنوان المشروع المقدم الى (قانون الخطة الاقتصادية الثلاثية ٢٠٢٣-٢٠٢٥) بدلا من (قانون الموازنة العامة ٢٠٢٣)، و بهذا يمكن حل المأزق المشار اليه اعلاه، ولتكن تجربة الموازنة العامة لثلاث سنوات قادمة بمثابة تجربة عراقية استثنائية الى جانب الاستثنائيات العراقية المعروفة ولاسيما هناك قاعدة اخرى من قواعد الموازنة الآنفة الذكر وهي القاعدة (رقم ٦) المعروفة بقاعدة (مرونة الموازنة ) التي تجيز للمسؤول عن تنفيذ بنود الموازنة اجراء التغيير بما ورد في بنودها بشرط ان لا يتجاوز الحد الأعلى المسموح به من النفقات ،عسى ان تتعض منها دروس النجاح و الفشل مستقبلا، فهل يا ترى بإستطاعة حكومة السيد السوداني، او ان يسمح لها، ان تكمل مسيرتها لغاية نهاية عام ٢٠٢٥ لتنفيذ الموازنة العامة ثلاثية السنوات، فلسوف نرى؟.