الدوائر المغلقة .... كيف لكردستان أن تخرج من أزماتها المستفحلة؟
PM:06:55:30/06/2022
54208 مشاهدة
سامان نوح
+
-
قبل أشهر حين كان يتعالى الحديث عن "تحالف الأغلبية الكونكريتي" وعن اتفاق استراتيجي بين الديمقراطي والسيادة والتيار الصدري بشأن مطالب الاقليم، وعن ورقة مكتوبة تضمن الحقوق والمطالب وتعكس الطريقة التشاركية في ادارة الحكومة المقبلة. نبه كتاب وصحفيون في الاقليم ان تلك الورقة "كلام انشائي" لاقيمة له، وان التيار مثل بقية القوى يمكنه ان يوقع على أي شيء ويؤكد التزامه، وبعدها بسنوات يعلن أن الظروف لم تسمح بتطبيق المطالب.
ومنذ أيام يتصاعد الحديث عن تفاهمات ايجابية مع قوى الاطار التنسيقي، ويُنقل كلام عن اتفاقات "ضامنة وقوية" فضلا عن الاشارة الى بيان القوى التي شاركت في اجتماع البرلمان الأخير، وتأكيدات عن وجود ورقة او اتفاق مكتوب.
ويكرر كتاب وصحفيون في الاقليم ذات الرأي السابق: لا وجود لاتفاقات حقيقية ولا قيمة لها ان وجدت وحتى ان كتبت بتفاصيل محددة ... فالمطالب الكردية لن تجد طريقها للتطبيق، لأسباب كثيرة أولها "ضعف الاقليم" مقارنة بسابق عهده حتى وان كانت بغداد منقسمة بقياداتها وفي أسوأ أوضاعها السياسية.
واقعاً التعقيدات الداخلية في كردستان تزداد وازمات الاقليم تستفحل:
- اقتصاديا، وعلى خلفية ملف ادارة النفط وقرار المحكمة الاتحادية، هناك شركات نفطية بدأت بالانسحاب او تفكر بذلك.
- أمنيا، هناك صواريخ تسقط بشكل شبه يومي على الاقليم، ولا امكانية لردعها.
- قانونيا، تتصاعد ضغوط وزارة النفط والملفات القانونية التي تحركها داخليا وخارجيا.
-سياسيا، المطبات والعوائق تزداد، والأحزاب الكردية تؤجل الملفات المهمة، ولا تعمل على توحيد مواقفها المتشظية رغم تداعياتها السلبية، وحتى اجراء الانتخابات في موعدها بات أمراً من الماضي.
- اقليميا، هناك استسلام للقصف التركي اليومي وتعايش معه، كما القصف الايراني المتكرر، المباشر او عبر أذرعها من جماعات حشدية وغيرها.
- دوليا، الأمريكيون كما الحلفاء الغربيون المفترضون ساكتون "الامر لا يعنيهم" فهناك ملفات أكبر بكثير تشغلهم.
- وهناك أزمات ومشاكل داخلية كثيرة تتعلق بحياة المواطنين، وترتبط بصراع القوى المشكلة لحكومة الاقليم، وبواقع الادارتين على الأرض، وبحقيقة البرلمان المشلول، وبتعقيدات ملف الواردات النفطية وواردات المعابر الخاضعة لارادات حزبية.
رغم ذلك قيادات الاقليم مازالت متشبثة برؤيتها المتفردة ومصالحها الحزبية ما يديم انقساماتها، وبعضها يكرر خطابا غريبا "لن تستطيع حكومة بغداد فعل أي شيء.. ما يحصل من انتهاكات حسد عيشة... فلتتحرك لحل أزماتها المستفحلة أول... هي دولة بلا حكومة غارقة في الفوضى الأمنية والسياسية".
خلافات الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لا تتعلق بملف واحد صغير (مثل ملف منصب رئيس الجمهورية الذي يمكن ان يحسم في دقائق؟) بل تمتد الى سلسلة ملفات حساسة (ادارية وأمنية واقتصادية)... لم يتم معالجة أي منها، بل لم تحصل اجتماعات حقيقية لبحثها، فكيف بمعالجتها؟!
وواقعاً ان هذه المشاكل لا يكمن حلها في بغداد، بل في كردستان أولاً وربما أخيراً، فالحزب الديمقراطي يحتاج الى مراجعة عميقة لسياساته وطريقة ادارته (هل الاقليم فعلا بخير ويسير على الطريق الصحيح؟) وادراك التحديات الكبيرة.
والاتحاد الوطني يحتاج الى صالة عمليات كبرى لانقاذ نفسه من مشاكله العميقة التي وصلت الى حد عزل القيادة السابقة للحزب (المؤسسة والمقاتلة) بل ودفنها تماما عبر مخالفات صريحة للنظام الداخلي وللمبادئ الحزبية.
الحزبان الحاكمان، مازالا يدوران في دائرتي انكار وجود تلك الازمات واعتبارها مجرد خلافات ومشاكل طبيعية تحدث في اي مكان وفي اي نظام سياسي، او الاقرار بوجودها جزئيا مع تحميل الأطراف الخارجية المسؤولية الكاملة عنها، دون الخوض في مراجعات حقيقية.
خارج قواعد الحزبين، وبعد سنوات من القتل التدريجي للحياة السياسية، عبر وسائل مختلفة، قوى المعارضة باتت مستسلمة لواقعها و"نائمة كعادتها" ولا تجد نفسها بديلا (فلا برنامج، ولا مشروع، ولارؤية) هي مجرد مكملة لمشهد الانقسامات، ومتداخلة ببيانات تنبيهية وبلقاءات "لوم وعتاب".
وبعد سنوات من تهميش المجتمع المدني والنخب السياسية والثقافية والاكاديمية المستقلة، واحتكار القرار والادارة عبر تحزييب كل مفاصل الحياة، من الطبيعي ان لا تجد دوراً أو حتى مسعى لها في "انقاذ" الاقليم من أزماته، ولو حتى في اطار مناقشة الواقع والتحديات وما يمكن القيام به للخروج من الدوائر المغلقة التي تضييق على الجميع يوما بعد آخر.