عناوین:

العراق.. كان ما سوف يكون

PM:12:29:25/10/2021
2184 مشاهدة
مصطفى فحص
+ -

الاعتراف بنتائج الانتخابات كما الاعتراف بالأخطاء فضيلة، هذه الفضيلة هنا وطنية قبل أن تكون سياسية، والحاجة إليها حماية لما تبقى من الدولة وحفاظا على السلم الأهلي وترسيخ لعملية تداول سلمي للسلطة في لحظة مفتوحة على احتمالات أحلاها مرّ، لذلك الشجاعة على تقبلها في هذا المرحلة  حاجة ملحة لتخفيف الخسائر بالأرواح وفي الثروات.

بين مخاطر الذهاب إلى حكم الأغلبية، أو العودة إلى التسوية ضمن معادلة أن الكل رابح، هناك هذه المرة من يعتقد ان الأرباح تنتزع بالقوة أو تؤخذ ضمن تسويات كبرى، في المقابل هناك من يرغب بإنجاز التسوية ولكن ضمن الاحجام التي أفرزتها صناديق الاقتراع، وهو يستند إلى تحولات في الرأي العام العراقي الانتخابية.

الحد الأدنى من المصلحة الوطنية يستدعي تنازلات شجاعة، والقبول بالواقع الانتخابي، لأن الظروف التي يمر بها العراق لا تتحمل أي خطأ في الحسابات، وهذه مسؤولية الرابحين قبل المهزومين، خصوصا إذا كان أمام الرابح استحقاقات كبيرة، وأمام الخاسر تحديات صعبة، تفرض على الاثنين الاحتكام إلى العقل وليس إلى شيء آخر.

المقلق في المشهد العراقي الحالي أنه منذ صدور النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، بدأت معركة ليّ الأذرع بين كل الأطراف، فالرابح الأكبر لم يتردد في التحذير من الالتفاف على نتائج الانتخابات عبر قراءة استنسابية للقوانين تتيح للطرف المتضرر من النتائج الانقلاب عليها، فيما الخاسر الأكبر أعلن سريعا رفضه للنتائج واتهم الهيئة المستقلة للانتخابات والحكومة وجهات خارجية بتزويرها وبالتآمر عليه.

استدعاء المؤامرة في هذه اللحظة الوسيلة الأسهل للتهرب من مراجعة شاملة لأسباب الهزيمة، ورمي المسؤولية على الآخرين، تجنبا أو إنكارا للواقع السياسي الجديد الذي فرض مشهدا جديدا أصاب قوى اعتقدت أنها ثابتة وأدارت ظهرها لكل المتحولات التي بدأت من انتفاضة تشرين مرورا بتكليف رئيس الوزراء من خارج الطبقة السياسية لنظام 2003، وصولا إلى الانتخابات المبكرة والتمسك بنفس الخطاب العقائدي الذي فقد جاذبيته في الشارع ما أوصل العملية السياسية إلى حائط مسدود.

مأزق هذه القوى السياسية خصوصا المسلحة التي هيمنت على الدولة ومؤسساتها أنها تعاملت مع الانتخابات كإجراء مضمون النتائج، فلم تغير سلوكها حتى في التعاطي مع مؤيديها، وهذا ما عرضها إلى شروخ داخلية، دفعت بجزء كبير من جمهورها إلى خيارات مختلفة جاءت من صالح كتلة دولة القانون، فهي بالنتيجة تمثل الإسلام السياسي الشيعي الدولتي "حزب الدعوة"، وهو يتمايز عن باقي القوى الإسلامية التي لم تتبلور حتى الآن كاحزاب، ولم تقدم مشروعا سياسيا يتناسب مع فكرة الدولة التي يميل اليها اغلب الشيعة في العراق.

عمليا فرضت الانتخابات تبدلا كبيرا في موازين القوى داخل العملية السياسية، وعمقت الفجوة داخل الطبقة السياسية، خصوصا الشيعية كونها تمثل الأغلبية الوطنية وبيدها السلطة التنفيذية وهي تتحمل الجزء الأكبر في الاخفاقات السياسية منذ 2003، وذلك لأسباب داخلية وخارجية مرتبطة بالهوية الوطنية وصعود الحساسيات الشيعية العراقية، ودور العراقي وموقعه في الخارطة الإقليمية. وهي الآن ليست في مواجهة بعضها بل أمام تحد صعب بعد تمكن شباب تشرين برغم مقاطعة جزء أساسي للانتخابات من اختراق الندوة البرلمانية، والتأسيس لحالة سياسية جديدة عبر الآليات الدستورية.

مخاطر الانتخابات وتداعيات نتائجها واضحة، حيث يعمل كل طرف على تشكيل تحالفاته الأفقية والعمودية، وخطرها أن يدخل العراق في صراع ما بين الرابح الأكبر والكتلة الأكبر. هذا الكباش سينقل التسوية من أروقة السياسة إلى الشارع، فيصبح العراق أمام شارعين متقابلين لكل منهما أدواته حتى العنفية، وهذا ما يهدد بالانزلاق إلى الفوضى أو أكثر. الأكثر هنا مقامرة لا تحمد عقباها.

البوم الصور