مقتدى الصدر وتياره.. مقام الاستحالات كلها
AM:10:57:19/10/2021
2372 مشاهدة
رستم محمود
+
-
ليس من موقع وحالية سياسية مضطربة في العراق اليوم مثل التي يشغلها التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، بعد صدور نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. محتار بحاله التيار الصدري، لا هو قادر على تأليف الحكومة وتشكيل مؤسسات السلطة في العراق بدون وعلى التضاد من غرمائه من الأحزاب المركزية العراقية الأخرى، بالذات الذين من نفس بيئته المناطقية والطائفية، الذين ليسوا بأي شكل مجرد قوى سياسية فقط. ولا هو قادر على الشراكة والوئام معهم من جديد، مثلما كان طوال عقد ونصف كامل مضى، ووعد قاعدته الجماهيرية طوال وشهور مضت ألا يكرر تلك الفعلة، خصوصا بعد أن نال هذا العدد من المقاعد البرلمانية في آخر انتخابات. وطبعا ليس للتيار أن يترك السلطة ويغدو مجرد تيار سياسي معارض. فمثل غيره، السلطة بالنسبة للتيار الصدري مغنمة كبرى، عليها يعيش ويرفد مؤسساته وقاعدة مؤيديه بكل ما يلحمهم ببعضهم، مناصب ومواقع ومنافع وسلطات وهيمنة على الفضاء العام. التيار الصدري يدرك جيدا أنه لا يستطع تشكيل الحكومة والسلطة الجديدة في العراق، لأن أنداده السياسيين، بالذات من حزب الدعوة وتيار الفتح المعبرين والممثلين السياسيين لفصائل الحشد الشعبي، يعتبران وجودهما في السلطة ومؤسسات الدولة بمثابة ترياق حياة لا عيش بدونه، وأن خوض حروب أهلية كثيرة، وليس حربا أهلية واحدة فحسب، أمر أهون من ترك السلطة تماما لغيرهم. لكن أبدا ليس لذلك السبب فحسب. فالصدريون يعرفون تماما أنهم لا يستطيعون تحقيق أي من وعودهم الانتخابية "الإصلاحية"، حتى لو دانت السلطة والحكومة لهم، وفقط لهم. لأن ذلك الإصلاح الموعود أنما يعني فعليا ومباشرة القضاء وتفكيك التيار الصدري نفسه، ويستحال أن ينتحر أي تيار سياسي بتلك الطريقة. هل يستطيع الصدريون مثلا أن يحلوا الميليشيات والسلاح خارج جيش والأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية العراقية مثلا!!. لكن ماذا بالنسبة لسرايا السلام وقتها!!، التي هي فعليا ومباشرة الذراع الأمني والعسكري للتيار الصدري، ومصدر شكيمة التيار وسبب التفاف ملايين العراقيين حوله، لحماية أنفسهم من حملات التصفية والحروب الأهلية والاجتماعية المضنية، ما توقفت في العراق قط. وكيف في حال حدوث ذلك، أن يتحول التيار الصدري إلى مجرد حزب سياسي عراقي مدني عادي، تستطيع دورية من أي جهاز أمني أن تعتقل قادته في حال تجاوزوا القانون العام، مثلهم مثل العشرات من الزعماء السياسيين العراقيين الآخرين، الذين استبعدوا وسجنوا، فقط لأنه لم يكن لأحزابهم ميليشيا مسلحة. وهو أمر يستحال أن يتحمله التيار الصدري. هذه ال"هل" الإصلاحية الخاصة بحل المليشيات يمكن سحبها وتطبيقها على كل تفصيل إصلاحي آخر يدعي التيار سعيه له. هل يستطيع التيار الصدري أن يكف يد الآلاف من مناصريه في الموقع الوظيفي عن الفساد والمغانم التي يحصلون عليها!، وإذا كان ثمة نفي لذلك السلوك، فمن أين يأتي التيار الصدري بهذه الكتلة المالية الضخمة التي ييسر بها شؤون آلاف المؤسسات الرديفة له، والتي تشبه مؤسسات دولة داخل الدولة العراقية. نفس ال"هل" تنسحب على موقف التيار الصدري من التدخل الإيراني في العراق، حيث لم يعرف عن التيار الصدري إلا التصعيد الكلامي ضد ذلك، دون أي فعل ميداني وسياسي حقيقي تجاهه. لأجل تلك النماذج من ال"هل"، لا يمكن للتيار الصدري أن يكون صاحب السلطة في البلاد، لأنها ستكشف عجزه الواضح عن فعل أي شيء من كل ما يعد به قواعده. فالتيار الصدري لا يستطيع أن يكون إصلاحيا لأسباب موضوعية على الأقل، تتعلق بتكوينه كتيار سياسي لا يحمل في دواخله أية نوازع ومضامين مختلفة جوهريا عن باقي الأحزاب السلطوية العراقية، التي تتصارع على أمر واحد فحسب "من سيحظى بخيرات البلاد ومغانمها"!. لكن التيار الصدري أيضا لن يستطيع أن يشارك مجددا القوى التي شاركها من قبل عشرات المرات، والتي كان في النفس الوقت، يتهمها طوال السنوات الكثيرة التي مضت، بأنها المتسبب والمانع للتيار الصدري من تنفيذ برامجه وتطلعاه ومشروعه السياسي. ففي أوقات سابقة، وحينما كانت الكتلة البرلمانية الصدرية مقاربة لغيرها من الكتل البرلمانية، فأن ذلك كان يمنح التيار حجة أولية ومقنعة إلى حد ما "ليس باليد حيلة، هذا كل ما نستطيع فعله في مواجهة الأقوياء هؤلاء". اليوم، ومع حصول التيار الصدري على هذا العدد المفارق من المقاعد البرلمانية، صارت تلك الحجة غير واقعية تقريبا. ولو تراجع التيار عن هذا الموقع المتمايز الذي منحه الناخبون إياه، وعاد لمشاركة باقي الكتل السياسية المركزية في الحكومة والمؤسسات، فأنه سيظهر كراغب وطامح واضح لمشاركة الآخرين كعكة المغانم، واستخدامهم كشماعة للفشل، في الآن عينه. وهو موقع بقي التيار الصدري طوال عقد ونص كامل يتبرأ ويتطهر منه، بالرغم من انخراطه الفعلي فيه. لكن الانخراط والنفي في الآن عيه، لم يعد متوفرا، صار أوضح بكثير من إمكانية تغطيته. لكن الجانب الأخطر على التيار الصدري، في حال مشاركته لباقي القوى السياسية المركزية في عملية تقاسم السلطة، أنما سيكون من القواعد الاجتماعية العراقية المنتفضة، التي استمات التيار الصدري طوال العامين الماضيين لأن يميز نفسه في أعينهم عن باقي القوى السياسي العراقية، وهو أمر صدقته حتى بعض النخب الثقافية والمدنية العراقية إلى حد بعيد. فقدان التمايز هذا لو حديث، سيعني أن لوحة الانقسام في العراق ستكون شديدة الوضوح، على دفة ثمة كل القوى المركزية التقليدية التي أغرقت العراق بكل مراراته، وعلى رأسها التيار الصدري، وفي الدفة الأخرى ثمة الجماهير المنتفضة. أخيرا، فإن التيار الصدري لا يستطيع أن يكون معارضا من داخل قبة البرلمان. لأن الدولة بمؤسساتها وخيراتها وسلطاتها هي طاقة الحياة الضرورية والمطلقة بالنسبة لتيار مثل التيار الصدري، بآلاف مؤسساته ومتفرغيه وامتيازاته الخاصة للغاية. لكن أيضا لمعرفته الدقيقة بطبيعة أنداده السياسيين، في بيئته الاجتماعية والطائفية بالذات، الذين لن يوفروا لحظة واحدة في حال انفرادهم بالسلطة من تحجيم وتضييق هامش الحركة والحياة على كل تنظيمات التيار الصدري، بما في ذلك جناحه المسلح. فوق ذلك، فإن نزول التيار الصدري إلى مقام المعارضة السياسية، يعني قبوله وخضوعه لمفاهيم الدولة وأساس اللعبة الديمقراطية في البلاد، وهو أمر أصعب بكثير من أن يبتلعه تيار مثل التيار الصدري، الذي يشبه تنظيمات الحروب والحكايات القديمة، أكثر من أي شيء يمد لتنظيمات الحداثة بصلة.