يعد الخوف من "الدفن حيا" -أو ما يعرف بـ"التافوفوبيا"- حالة رهاب شائعة في الماضي، وقد انتشرت على وجه الخصوص خلال القرن الـ18.
في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية، يقول الكاتب تريستان فاي إن كاهن أبرشية بواتييه في فرنسا -الذي توفي بباريس عام 1705- كان من أبرز شخصيات تلك الفترة التي عانت من رهاب الدفن حيا.
وقد كتب الكاهن في وصيته قائلا "في أي وقت يشاء الله أن يناديني، أريد أن يكون جسدي تحت الحراسة قدر الإمكان دون إزعاج حتى تتأكدوا تماما من موتي، بعلامات محددة. لا يعني ذلك أنني متعلق جدا بالحياة، ولكن أعرف العديد من الأمثلة على أولئك الذين دفنوا على قيد الحياة، وهو ما يجعلني خائفا من الأحاسيس التي قد أعيشها في تلك الحالة".
ومن أشهر الأمثلة على هذا المرض خلال القرن الـ19، ما نقل عن المؤلف والملحن الموسيقي فريديريك شوبان والكيميائي السويدي ألفريد نوبل اللذين ورثا رهاب "الدفن حيا" على ما يبدو من والديهما.
ما أصل هذا الخوف؟
يُنظر إلى هذا الخوف على أنه قديم قدم الإنسانية، ونتاج تراكم تجارب مختلفة. وتشير الكاتبة سوزان نيكر -في كتيب أصدرته عام 1790 بعنوان "الدفن المتعجل"- إلى مخاوفها من أن تُدفن حية، وتروي قصصا كثيرة عن أشخاص استعادوا الوعي بعد وضعهم في القبر، وتقنيات مختلفة للتأكد من أن الموت حقيقي أم لا.
وقبل 50 عاما من كتاب نيكر، كان الطبيب الفرنسي من أصل دانماركي جاك بينيني وينسلو أول من أثار الأسئلة العملية حول هذا الرهاب وساهم في جعله قضية صحة عامة من خلال أطروحة تساءل فيها عما إذا كانت التجارب الجراحية أكثر ملاءمة من أي تجارب أخرى لاكتشاف علامات واضحة للموت المشكوك فيه.
وتمت ترجمة العمل الذي نُشر في البداية باللغة اللاتينية، وعلّق عليه الدكتور جاك جان بروهير بإسهاب عام 1742، حيث أضاف إليه أكثر من 200 صفحة، ثم أضاف مجلدا ثانيا عام 1745 جمع فيه عددا من القصص المروعة.
وكان عنوان الكتاب الجديد "أطروحة حول عدم اليقين من علامات الموت والتعسف في الدفن والتحنيط المتسرع"، ويوضح أن العلامات المستخدمة عادة -حتى ذلك الحين- لوصف الموت (عدم الحركة، الشحوب، قلة رد الفعل، التنفس والنبض) غير كافية إلى حد كبير. وحسب الكتاب، فإن تعفن الجسد كان الدليل القاطع على الموت، وهو على الأرجح السبب الذي جعل الكثير من الشعوب تترك جثث موتاها يوما على الأقل قبل الدفن.
ولاقى الكتاب صدى كبيرا لدرجة أن أحد أشهر الأطباء في ذلك الوقت -وهو أنطوان لويس- تناول المسألة بعد 10 سنوات. فعام 1752 نشر العضو الشاب في الأكاديمية الملكية للجراحة -والذي اشتهر بأنه أحد مصممي المقصلة- رسائل حول اليقين من علامات الموت.
وبالإضافة إلى التحذير من عمليات الدفن المبكر التي كانت منتشرة آنذاك، وضع لويس معيارين للتمييز بين الموت الحقيقي وعلامات الموت الظاهري، وهما قسوة الجسد وترهل العين.
وأشارت البروفيسورة آن كارول -في مقال نُشر عام 2015 بعنوان "تاريخ طبي لمعايير الموت"- إلى أن خوف بروهير ولويس من خطر دفنهما أحياء، وتركيزهما على العلامات الحقيقية للموت، كان أساسا لوضع معايير جديدة وإضفاء الطابع الطبي على عمليات الدفن، حيث أصبح الدفن يحتاج إلى شهادة وفاة صادرة عن طبيب ليكون قانونيا.