سلط تقرير لموقع "الجزيرة نت"، الضوء على المونولوجست العراقي عزيز علي، الذي عاش حياته مضطهدا وملاحقا من السلطات المتعاقبة لمواقفه الوطنية.
وبحسب التقرير الذي تابعه NRT اليوم، (27 اب 2021)، فان "علي" كان من الممكن ان يصبح ثريا لو رضي أن يمدح الحكام أو الغناء في الملاهي الليلية، لكنه أبى وظل عفيفا، ونظيف اليد، وان كلمات مونولوجاته المكتوبة قبل 70 عاما، ما تزال تعبر عن أوضاع اليوم، وكأنها كتبت الآن.
وفيما يلي نص التقرير:-
لم يغن عزيز علي للرؤساء والحكام، ولا في الحفلات الخاصة، ونقل المونولوج من الغناء الساذج وعادات الغيرة والسحر والنميمة إلى الغناء الرصين والوطني المحرض للجماهير ضد الاستعمار والرجعية والتمسك بالدفاع عن حقوق العراقيين. كلماته تصلح لكل زمان ومكان، وتأثيرها قض مضاجع سلطات العراق على مدار عدة عقود، وأقواله يفهمها الكبار والصغار والمثقفون والبسطاء.
إنه المونولوجست العراقي عزيز علي الذي تصوره رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد شيوعيا، بينما استدعاه الرئيس العراقي عبد السلام عارف (1963-1966) يوم الإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم للإذاعة ليحتج بمونولوجه، في حين اعتبره أول رئيس في عهد حزب البعث أحمد حسن البكر ماسونيا وحكم عليه بالإعدام، فيما عفا عنه الرئيس صدام حسين وطلب منه الغناء له فرفض.
نجح علي -المولود في 27 أغسطس/آب عام 1911 في منطقة الشيخ بشار بكرخ بغداد- في شهرة فن المونولوج عراقيا وعربيا، وكان بوسعه أن يصبح ثريا، لو رضي أن يمدح الحكام أو الغناء في الملاهي الليلية، لكنه أبى وظل عفيفا، ونظيف اليد.
أبرز أعماله
ومن أبرز مونولوجاته دكتور، وعال العال، وبستان، والراديو، والسفينة، وغيرها الكثير، وهو أول مونولوجست يغني في افتتاح إذاعة بغداد عام 1936.
والمونولوج فن يعتمد على المقطع الواحد يؤديه شخص واحد، وعرفه العالم العربي أول مرة عام 1920 على يد سيد درويش، وهو مصطلح يوناني لاتيني، يتكون من كلمتين تعني الخطاب الفردي.
عاش علي حياته مضطهدا وملاحقا من السلطات العراقية المتعاقبة ليس لارتكابه جرائم بل لمواقفه الوطنية. أول عقوبة بحقه كانت فصله من المدرسة عام 1926 لمعارضته استغناء الإدارة عن أحد أساتذته، وسجن عام 1928 بسبب تزعمه المظاهرات ضد الإسرائيلي ألفريد موند، وأطلق سراحه بشرط مغادرته العاصمة بغداد، فاضطر للسكن في كربلاء، وافتتح محلا لبيع الأحذية لتأمين معيشته.
وفي عام 1941، أيد حركة رشيد عالي الكيلاني ضد النفوذ البريطاني في العراق بمونولوج خاص، لكن بعد فشل الحركة، زجته السلطات بالسجن. كما سجن عام 1942 في البصرة، فتعلم هناك اللغة الروسية من معلمين روسيين كانا معه في السجن.
ومن أيام السجن الأخرى، التي يتذكرها الباحث باسم عبد الحميد حمودي، تلك التي كانت بسبب مشاركته في مظاهرات عام 1956 احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر، وأفرج عنه لاحقا بسبب المد الجماهيري الداعم لمصر وشجب العدوان.
كما سجن عندما فشل البعثيون في اغتيال أول رئيس وزراء بعد الإطاحة بالعهد الملكي عبد الكريم قاسم عام 1959، الذي شن حملة كبيرة ضد السياسيين، ومن ضمنهم عزيز علي رغم أنه ليس بعثيا.
ويضيف حمودي أن عزيز علي أجاد 7 لغات، وتعلم التشيكية حين عمل بسفارة العراق في تشيكوسلوفاكيا، وتعلم الألمانية على يد مدرس ألماني درسه في مدرسة مسائية، والكردية على يد الناشط توفيق وهبي، والفارسية أثناء اختلاطه بالزوار الإيرانيين أثناء عمله في كربلاء.
وكان علي يفخر بأنه تنبأ بسقوط العهد الملكي عام 1958 من خلال مونولوج "هذه السنة سنة"، ومونولوج "كل حال يزول"، بحسب الباحث رفعت عبد الرزاق.
الهاتف رقم 85385
وأشار الباحث الفني فلاح الخياط إن علي فوجئ بقراءة رقم تليفونه (85385) في الإذاعة، وطلب منه الحضور فورا، وحين وصل للإذاعة، استقبله الجنرال عبد السلام عارف لقراءة البيان الأول للانقلاب على حكومة عبد الكريم قاسم عام 1963، فكتب عزيز مونولوجا حماسيا يندد بالاستعمار والرجعية.
ويضيف الخياط أن رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز استنجد بعزيز علي للوقوف بوجه الإسفاف الغنائي آنذاك، وتأكيده على أن "تغيير موسيقى قوم ضمان لتغيير أخلاقهم"، ويقصد أن الغناء الرصين الذي يؤديه عزيز علي قادر على تغيير سلوكيات المجتمع.
وقال الباحث المسرحي عقيل العطية إنه يمتلك رسالة خطية لعزيز علي يتحدث فيها مع أخيه المحقق جليل العطية، يحذره فيها من أن كتاباته في زاويته الصحفية "جهين" ربما تقوده إلى السجن، بسبب انتقادها للسلطة. كما فعلوا به غير مرة.
وكان عزيز علي يمتلك 3 خصال مهمة، كما يقول الناقد الموسيقي ستار الناصر، وهي أنه درس الأوزان الشعرية، والموسيقى، واستطاع من خلالها اختيار البحر الشعري المناسب لكل مونولوج، كما أجاد كتابة الشعر، وكتب كل مونولوجاته التي يربو عددها على 400، إضافة إلى امتلاكه صوتا جميلا ومعبرا وأداء راقيا.
وأضاف الناصر أن شوارع العراق كانت تخلو من المارة عندما يطل عزيز علي عبر شاشة التلفزيون أيام الأربعاء، مشيرا إلى أن هذا الفنان عانى من تعسف السلطات، ليس بسبب خيانته أو فساده أو ارتكابه جرائم السرقة أو غيرها بل بسبب مواقفه الوطنية.
ويشير الناصر إلى أن كل قادة العراق طلبوا من عزيز علي أن يغني لهم ومدح أنظمتهم، لكنه رفض بشدة، ويكفيه فخرا أن كلمات مونولوجاته المكتوبة قبل 70 عاما، ما زالت تعبر عن أوضاع اليوم، وكأنها كتبت الآن.
A.A