عناوین:

هل يستطيع الاصطناعي قراءة أفكارنا؟

PM:10:21:05/05/2024

888 مشاهدة

شهد القطاع التقني في الآونة الأخيرة تقدما هائلا في مجال الذكاء الاصطناعي، وواجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب التي تعرف اختصارا باسم (BCIs)، ففي نهاية شهر يناير 2024، نجحت شركة (نيورالينك) Neuralink في زراعة شريحة داخل دماغ رجل أمريكي يعاني من الشلل الرباعي، وقد مكنته هذه الشريحة من التحكم بمؤشر الماوس عبر الشاشة بمجرد التفكير في الحركة.

تنبثق تجربتنا الواعية من نشاط الدماغ، هكذا وصلت أفضل معارفنا العلمية اليوم. فكل حالة ذهنية نمر بها، سواء كانت التفكير في الإمبراطورية الرومانية، أو تخيل تحرك المؤشر عبر الشاشة، تقابلها نمط خاص من نشاط الخلايا العصبية (العصبونات) في دماغنا.

يعني ذلك نظريا أن قراءة أفكارنا باتت ممكنة من خلال أجهزة تتبع حالات الدماغ، فإذا تمكنت هذه الأجهزة من فك شفرة أنماط النشاط العصبي بدقة، فقد تصبح قادرة على تحديد ما يدور في عقولنا.

لكن تكمن التحديات الحقيقية في تحديد التطابقات الدقيقة بين حالاتنا العقلية الواعية وحالات الدماغ المقابلة لها. فالعقل البشري معقد للغاية، ونطاقه واسع لدرجة قد تجعل من الصعب ربط كل فكرة أو شعور بنمط عصبي محدد بشكل دقيق.

لذلك لا زلنا نواجه تحديا هائلا لفهم أسرار العقل وفك طلاسمه من خلال نشاط الدماغ، إذ يتطلب ذلك معرفة دقيقة بأي الحالات الدماغية تتطابق مع حالات ذهنية معينة. وهذا يعني، على سبيل المثال: أنه يتعين علينا التمييز بين الحالات الدماغية التي تتوافق مع رؤية وردة حمراء، وتلك التي تتوافق مع شم وردة حمراء، أو لمسها أو تخيلها، أو التفكير في كونها المفضلة لدى شخص قريب منك مثل: والدتك.

كما يتعين علينا أيضا أن نميز هذه الأنماط عن تلك التي تنشأ عند رؤية أو شم أو لمس أو تخيل أو التفكير في أشياء أخرى، مثل ليمونة. وهكذا، بالنسبة لكل شيء آخر يمكنك إدراكه أو تخيله أو التفكير فيه.

لذلك تعد مهمة قراءة الأفكار من خلال نشاط الدماغ معقدة للغاية، بل قد تفوق وصفها بالصعوبة. خذ على سبيل المثال: عملية إدراك الوجوه. فالملاحظة الواعية للوجه تنطوي على تنشيط شبكات عصبية معقدة في الدماغ. لكن جزءا كبيرا من هذا النشاط لا يتعلق مباشرة بإدراك الوجه نفسه، بل بعمليات أخرى مرتبطة قبل أو بعد ذلك، مثل: الذاكرة العاملة، والانتباه الانتقائي، ومراقبة الذات، وتخطيط المهام، والإبلاغ عنها.

ومن ثم، يشكل استخلاص العمليات العصبية المسؤولة بنحو دقيق عن الإدراك الواعي للوجه تحديا هائلا. ولم يتمكن علم الأعصاب الحالي حتى الآن من حل هذا اللغز المعقد. وحتى لو تمكنا من تحقيق ذلك، فلن نصل سوى إلى تحديد الارتباطات العصبية لتجربة إدراك الوجه بنحو عام، دون القدرة على التمييز بين وجوه محددة.

لذلك، حتى لو شهد علم الأعصاب تقدما هائلا في المستقبل، فإن قراءة الأفكار بدقة من خلال فحص الدماغ تبقى بعيدة المنال، لأن الجهاز لن يتمكن من تحديد هل ترى باراك أوباما، أم شخص قريب منك، أم وجها لا تعرفه.

وهنا يظهر أن قراءة الأفكار من خلال نشاط الدماغ هي مهمة معقدة للغاية، مليئة بالتحديات العلمية والتقنية، ولا يمكن تحقيقها بنحو دقيق في الوقت الحالي.



AD





البوم الصور